ينبغي أن يقطع دابر الفساد والقتال بين الذين بعدهم لكن اختلفوا بغياً بينهم فكان ذلك اصلاً يتسرع عليه القتال فأمر الله تعالى به حين تقتضيه المصلحة ليحق الحق بكلماته ويقطع دابر المبطلين ، فالعموم وجيه في الآية .
( كلام في الكلام )
ثم إِن قوله تعالى : منهم من كلم الله ، يدل على وقوع التكليم منه لبعض الناس في الجملة أي أنه يدل على وقوع أمر حقيقي من غير مجاز وتمثيل وقد سماه الله في كتابه بالكلام ، سواء كان هذا الاطلاق اطلاقاً حقيقياً أو اطلاقاً مجازياً ، فالبحث في المقام من جهتين :
الجهة الاولى : أن كلامه تعالى يدل على أن ما خص الله تعالى به أنبيائه ورسله من النعم التي تخفى على ادراك غيرهم من الناس مثل الوحي والتكليم ونزول الروح والملائكة ومشاهدة الآيات الالهية الكبرى ، أو أخبرهم به كالملك والشيطان واللوح والقلم وسائر الآيات الخفية على حواس الناس ، كل ذلك أُمور حقيقية واقعية من غير مجاز في دعاويهم مثل أن يسموا القوى العقلية الداعية الى الخير ملائكة ، وما تلقيه هذه القوى الى ادراك الانسان بالوحي ، والمرتبة العالية من هذه القوى وهي التي تترشح منها الأفكار الطاهرة المصلحة للاجتماع الانساني بروح القدس والروح الامين ، والقوى الشهوية والغضبية النفسانية الداعية الى الشر والفساد بالشياطين والجن ، والافكار الرديئة المفسدة للاجتماع الصالح أو الموقعة لسيىء العمل بالوسوسة والنزعة ، وهكذا .
فإِن الآيات القرآنية وكذا ما نقل الينا من بيانات الأنبياء الماضين ظاهرة في كونهم لم يريدوا بها المجاز والتمثيل ، بحيث لا يشك فيه الا مكابر متعسف ولا كلام لنا معه ، ولو جاز حمل هذه البيانات الى أمثال هذه التجوزات جاز تأويل جميع ما أخبروا به من الحقائق الالهية من غير استثناء الى المادية المحضة النافية لكل ما وراء المادة ، وقد مر بعض الكلام في المقام في بحث الاعجاز . ففي مورد التكليم الإلهي لا محالة أمر حقيقي متحقق يترتب عليه من الآثار ما يترتب على التكلمات الموجودة فيما بيننا .
توضيح ذلك : أنه سبحانه عبر عن بعض
أفعاله بالكلام والتكليم كقوله تعالى :