على ذلك بما ذكره من اختلال حركاتهم وفساد النظم في أعمالهم . فالمصير إِلى ما قدمناه .
قوله تعالى : ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا ، قد تقدم الوجه في تشبيه البيع بالربا دون العكس بأن يقال : إِنما الربا مثل البيع فإِن من استقر به الخبط والاختلال كان واقفاً في موقف خارج عن العادة المستقيمة ، والمعروف عند العقلاء والمنكر عندهم سيان عنده ، فإِذا أمرته بترك ما يأتيه من المنكر والرجوع الى المعروف أجابك ـ لو أجاب ـ أن الذي تأمرني به كالذي تنهاني عنه لا مزية له عليه ، ولو قال : ان الذي تنهاني عنه كالذي تأمرني به كان عاقلا غير مختل الادراك فإِن معنى هذا القول : أنه يسلم أن الذي يؤمر به أصل ذو مزية يجب اتباعه لكنه يدعي ان الذي ينهي عنه ذو مزية مثله ، ولم يكن معنى كلامه إِبطال المزية وإِهماله كما يراه الممسوس ، وهذا هو قول المرابي المستقر في نفسه الخبط : إِنما البيع مثل الربا ، ولو أنه قال : ان الربا مثل البيع لكان راداً على الله جاحداً للشريعة لا خابطاً كالممسوس .
والظاهر ان قوله تعالى : ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا حكاية لحالهم الناطق بذلك وان لم يكونوا قالوا ذلك بألسنتهم ، وهذا السياق أعني حكاية الحال بالقول ، معروف عند الناس .
وبذلك يظهر فساد ما ذكره بعضهم : أن المراد بقولهم : انما البيع مثل الربا نظمهما في سلك واحد ، وإِنما قلبوا التشبيه وجعلوا الربا أصلاً وشبهوا به البيع للمبالغة كما في قوله :
ومهمه مغبرة أرجائه |
|
كأن لون أرضه سمائه |
وكذا فساد ما ذكره اخرون : أنه يجوز ان يكون التشبيه غير مقلوب بنائاً على ما فهموه : ان البيع إِنما حل لأجل الكسب والفائدة ، وذلك في الربا متحقق وفي غيره موهوم . ووجه الفساد ظاهر مما تقدم .
قوله
تعالى : وأحل الله البيع وحرم الربا ، جملة
مستأنفة بنائاً على ان الجملة الفعلية المصدرة بالماضي لو كانت حالا لوجب تصديرها بقد . يقال : جائني زيد وقد ضرب عمراً ، ولا يلائم كونها حالاً ما يفيده أول الكلام من المعنى ، فإِن الحال
قيد لزمان عامله وظرف لتحققه ، فلو كانت حالاً لأفادت : أن تخبطهم لقولهم انما البيع مثل