ثم افتتح باب الكسب والتجارة بعد رواج البيع والشراء بأن تعين البعض من الافراد بتخصيص عمله وشغله بالتعويض وتبديل نوع من المتاع بنوع آخر لابتغاء الربح الذي هو نوع زيادة فيما يأخذه قبال ما يعطيه من المتاع .
فهذه أعمال قدمها الانسان بين يديه لرفع حوائجه في الحياة ، واستقر الامر بالاخرة على ان الحاجة العمومية كأنها عكفت على باب الدرهم والدينار ، فكان وجه القيمة كأنه هو المال كله ، وكأنه كل متاع يحتاج اليه الانسان لانه الذي يقدر الانسان بالحصول عليه على الحصول بكل ما يريده ويحتاج اليه مما يتمتع به في الحياة ، وربما جعل سلعة فاكتسب عليه كما يكتسب على سائر السلع والامتعة وهو الصرف .
وقد ظهر بما مر : ان اصل المعاملة والمعاوضة قد استقر على تبديل متاع من متاع آخر مغاير له لمسيس الحاجة بالبدل منه كما في اصل المعاوضة ، أو لمسيس الحاجة إِلى الربح الذي هو زيادة في المبدل منه من حيث القيمة ، وهذا أعني المغايرة هو الاصل الذي يعتمد عليه حياة المجتمع ، وأما المعاملة بتبديل السلعة من ما يماثله في النوع أو ما يماثله مثلاً فإِن كان من غير زيادة كقرض المثل بالمثل مثلاً فربما اعتبره العقلاء لمسيس الحاجة به وهو مما يقيم أود الاجتماع ، ويرفع حاجة المحتاج ولا فساد يترتب عليه ، وإِن كان مع زيادة في المبدل منه وهي الربح فذلك هو الربا ، فلننظر ماذا نتيجة الربا ؟
الربا ـ ونعني به تبديل المثل بالمثل وزيادة كإِعطاء عشرة إِلى أجل ، أو اعطاء سلعة بعشرة إِلى أجل واخذ اثنتي عشرة عند حلول الاجل وما اشبه ذلك ـ إِنما يكون عند اضطرار المشتري أو المقترض إِلى ما يأخذه بالإعسار والإعواز بأن يزيد قدر حاجته على قدر ما يكتسبه من المال كأن يكتسب ليومه في أوسط حاله عشرة وهو يحتاج إِلى عشرين فيقرض العشر الباقي باثني عشر لغد ولازمه ان له في غده ثمانية وهو يحتاج الى عشرين ، فيشرع من هناك معدل معيشته وحياته في الانمحاق والانتقاص ولا يلبث زماناً طويلاً حتى تفنى تمام ما يكتسبه ويبقى تمام ما يقترضه ، فيطالب بالعشرين وليس له ولا واحد ( ٢٠ ـ ٠ = المال ) وهو الهلاك وفناء السعي في الحياة .
واما المرابى فيجتمع عنده العشرة التي
لنفسه . والعشرة التي للمقترض ، وذلك تمام العشرين ، فيجتمع جميع المالين في جانب ويخلو الجانب الآخر من المال ، وليس الا لكون الزيادة مأخوذة من غير عوض مالي ، فالربا يؤدي الى فناء طبقة المعسرين وانجرار المال الى طبقة الموسرين ، ويؤدي ذلك الى تأمر المثرين من المرابين ،
وتحكمهم