فإِنه أمر قائم بالفرد حقيقة .
قوله تعالى : وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإِليك المصير ، قولهم سمعنا وأطعنا ، إِنشاء وليس باخبار وهو كناية عن الاجابة إِيماناً بالقلب وعملاً بالجوارح ، فإِن السمع يكني به لغة عن القبول والاذعان . والاطاعة تستعمل في الانقياد بالعمل فمجموع السمع والاطاعة يتم به أمر الايمان .
وقولهم سمعنا وأطعنا إِيفاء لتمام ما على العبد من حق الربوبية في دعوتها . وهذا تمام الحق الذي جعله الله سبحانه لنفسه على عبده : أن يسمع ليطيع ، وهو العبادة كما قال تعالى : « وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ » الذاريات ـ ٥٧ ، وقال تعالى : « أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي » يس ـ ٦١ .
وقد جعل سبحانه في قبال هذا الحق الذي جعله لنفسه على عبده حقاً آخر لعبده على نفسه وهو المغفرة التي لا يستغني عنه في سعادة نفسه أحد : الانبياء والرسل فمن دونهم فوعدهم ان يغفر لهم ان أطاعوه بالعبودية كما ذكره اول ما شرع الشريعة لآدم وولده فقال : « قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ » البقرة ـ ٣٨ ، وليس الا المغفرة .
والقوم لما قالوا : سمعنا وأطعنا وهو الاجابة بالسمع والطاعة المطلقين من غير تقييد فأوفوا الربوبية حقها سألوه تعالى حقهم الذي جعله لهم وهو المغفرة فقالوا عقيب قولهم سمعنا وأطعنا : غفرانك ربنا وإِليك المصير ، والمغفرة والغفران : الستر ، ويرجع مغفرته تعالى الى دفع العذاب وهو ستر على نواقص مرحلة العبودية ، ويظهر عند مصير العبد الى ربه ، ولذلك عقبوا قولهم : غفرانك ربنا بقولهم : واليك المصير .
قوله تعالى : لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، الوسع هو الجدة والطاقة ، والاصل في الوسع هو السعة المكانية ثم يتخيل لقدرة الانسان شبه الظرفية لما يصدر عنه من الافعال الاختيارية ، فما يقدر عليه الانسان من الاعمال كأنه تسعه قدرته ، وما لا يقدر عليه لا تسعه فانطبق عليه معنى الطاقة ، ثم سميت الطاقة وسعاً فقيل : وسع الانسان أي طاقته وظرفية قدرته .
وقد عرفت : أن تمام حق الله تعالى على
عبده : ان يسمع ويطيع ، ومن البين