قوله تعالى : وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إِلى التهلكة ، أمر بانفاق المال لإقامة القتال في سبيل الله والكلام في تقييد الإنفاق هىٰهنا بكونه في سبيل الله نظير تقييد القتال في اول الآيات بكونه في سبيل الله ، كما مر ، والباء في قوله : بأيديكم زائدة للتأكيد ، والمعنى : ولا تلقوا أيديكم إِلى التهلكة كناية عن النهي عن إِبطال القوة والاستطاعة والقدرة فان اليد مظهر لذلك ، وربما يقال : ان الباء للسببية ومفعول لا تلقوا محذوف ، والمعنى : لا تلقوا أنفسكم بأيدي أنفسكم إِلى التهلكة ، والتهلكة والهلاك واحد وهو مصير الانسان بحيث لا يدري أين هو ، وهو على وزن تفعلة بضم العين ليس في اللغة مصدر على هذا الوزن غيره .
والكلام مطلق أُريد به النهي عن كل ما يوجب الهلاك من إِفراط وتفريط كما أن البخل والإمساك عن إِنفاق المال عند القتال يوجب بطلان القوة وذهاب القدرة ، وفيه هلاك العدة بظهور العدو عليهم ، وكما أن التبذير بانفاق جميع المال يوجب الفقر والمسكنة المؤديين إِلى انحطاط الحياة وبطلان المروة .
ثم ختم سبحانه وتعالى الكلام بالاحسان فقال : وأحسنوا ان الله يحب المحسنين ، وليس المراد بالاحسان الكف عن القتال أو الرأفه في قتل أعداء الدين وما يشبههما بل الاحسان هو الاتيان بالفعل على وجه حسن بالقتال في مورد القتال ، والكف في مورد الكف ، والشدة في مورد الشدة ، والعفو في مورد العفو ، فدفع الظالم بما يستحقه إِحسان على الانسانية باستيفاء حقها المشروع لها ، ودفاع عن الدين المصلح لشأنها كما أن الكف عن التجاوز في استيفاء الحق المشروع بما لا ينبغي إِحسان آخر ومحبة الله سبحانه وتعالى هو الغرض الأقصى من الدين ، وهو الواجب على كل متدين بالدين أن يجلبها من ربه بالاتباع ، قال تعالى : « قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ » آل عمران ـ ٣١ ، وقد بدأت الآيات الشريفة ـ وهي آيات القتال ـ بالنهي عن الاعتداء وان الله لا يحب المعتدين وختمت بالأمر بالاحسان وأن الله يحب المحسنين ، وفي ذلك من وجوه الحلاوة ما لا يخفى .
كان القرآن يأمر المسلمين بالكف عن
القتال والصبر على كل أذى في سبيل الله