إن قصد بقوله : لا أجامع كل واحدة المعنى الذي قرروه اتجه بقاء الإيلاء في حق الباقيات ، وإلا كان الحكم فيها كالحكم فيما لو قال : والله لا اجامعكن ، فلا يحصل الحنث ولا يلزم الكفارة إلا بوطء الجميع ، ولا يكون مؤليا في الحال على ما قرر هناك ، لوجهين : أحدهما أنه إذا وطأ بعضهن كالواحدة مثلا صدق أنه لم يطأ كل واحدة منهن ، وإنما وطأ واحدة منهن ، كما يصدق أنه لم يطأهن وإنما وطأ إحداهن ، وذلك يدل على أن مفهوم اللفظ واحد ، والثاني أن قول القائل : طلقت نسائي وقوله : طلقت كل واحدة من نسائي يؤديان معنى واحدا وإذا اتحد معناهما في طرف الإثبات فكذلك في طرف النفي ، فيكون معنى قوله : « لا أجامع كل واحدة منكن » معنى قوله :
« لا اجامعكن » خصوصا على ما ذكره الشيخ عبد القاهر ومن تبعه من أن كلمة « كل » في النفي إذا دخلت في حيزه بأن قدم عليها لفظا كقوله : « ما كل ما يتمنى المرء يدركه » وقوله : « ما جاء القوم كلهم » ، أو « ما جاء كل القوم » أو تقديرا بأن قدمت على الفعل المنفي وأعمل فيها ، لأن العامل رتبته التقديم على المعمول ، كقولك : « كل الدراهم لم آخذ » توجه النفي إلى الشمول خاصة لا ( دون خ ل ) إلى أصل الفعل ، وأفاد الكلام ثبوته لبعض أو تعلقه ببعض ، وفي هذا المقام بحث ، وله جواب لا يليق بهذا المحل ».
قلت : هو على طوله لا حاصل له ، ضرورة رجوعه إلى بحث لفظي ، والمراد هنا بيان الحكم على فرض كون المراد العموم الشمولي على أن إرجاع قوله : « لا اجامعكن » إلى إرادة العموم الشمولي أولى من العكس عرفا ، وبالجملة ذلك بحث آخر خارج عما نحن فيه ، وهو حكم الإيلاء على تقدير إرادة المعنى المفروض ، والله العالم بحقائق أحكامه ، ونسأله التأييد والتسديد.