بك الى هذا الموضع؟ فقال : عادة الجسد وسنّة البلد ولنبصر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة ، فقال له الصادق عليهالسلام : أنت بعد على عتوّك وضلالك يا عبد الكريم ، فذهب يتكلّم ، فقال له : لا جدال في الحجّ ونفض رداءه من يده ، وقال : إن يكن الأمر كما تقول وليس كما تقول نجونا ونجوت ، وإن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول نجونا وهلكت (١).
وناظر الصادق عليهالسلام يوما في تبديل الجلود في النار ، فقال : ما تقول في هذه الآية « كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها » (٢) هب هذه الجلود عصت فعذّبت فما بال الغير يعذّب؟ قال أبو عبد الله عليهالسلام : ويحك هي هي وهي غيرها ، قال : اعقلني هذا القول ، فقال له : أرأيت لو أن رجلا عهد الى لبنة فكسرها ثم صبّ عليها الماء وجبلها (٣) ثم ردّها الى هيئتها الأولى ، ألم تكن هي هي وهي غيرها؟ فقال : بلى أمتع الله بك (٤).
أقول : هذا ما توصّل إليه عظماء الفلاسفة بعد جهد وبحوث طويلة في تحليل صحّة عذاب الانسان المجرم ، مع أن ذرّات جسمه الذي وقع منه الجرم تتبدّل وتتحوّل دائما ( بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٥). وبهذا البيان الدقيق يجاب عن شبهة الآكل والمأكول المعروفة ، فمن أين تعلم هذه الفلسفة الدقيقة في تلك العصور التي ما شمّت رائحتها؟ إنه الامام ، وكفى.
وكان لأبي شاكر الديصاني ـ أحد ملاحدة العرب ـ مع الصادق عليهالسلام
__________________
(١) توحيد الصدوق طاب ثراه ، باب حدوث العالم ..
(٢) النساء : ٥٦ ..
(٣) طبعها وليّنها ..
(٤) الاحتجاج للشيخ الطبرسي : ٣٥٤ ..
(٥) الدخان : ٥٣ ..