محن المرء على قدر ما له من فضيلة وكرامة ، وعلى قدر مقامه بين الناس وطموحه إلى الرتب العالية.
كان بين ولاية المنصور ووفاة الصادق عليهالسلام اثنتا عشرة سنة لم يجد الصادق فيها راحة ولا هدوء على ما بينهما من البعد الشاسع ، الصادق في الحجاز ، والمنصور في العراق ، وكان يتعاهده بالأذى ، كما يتعاهد المحبّ حبيبه بالطرف والتحف.
يقول ابن طاوس أبو القاسم علي طاب ثراه (١) في كتاب « مهج الدعوات » في باب دعوات الصادق عليهالسلام : إن المنصور دعا الصادق سبع مرّات كان بعضها في المدينة والربذة حين حجّ المنصور ، وبعضها يرسل إليه إلى الكوفة وبعضها إلى بغداد ، وما كان يرسل عليه مرّة إلاّ ويريد فيها قتله ، هذا فوق ما يلاقيه فيها من الهوان وسوء القول ، ونحن نذكرها بالتفصيل :
الاولى : روى ابن طاوس عن الربيع حاجب المنصور قال : لما حجّ المنصور (٢) وصار بالمدينة سهر ليلة فدعاني فقال : يا ربيع انطلق في وقتك هذا على أخفض جناح وألين مسير ، وإن استطعت أن تكون وحدك فافعل حتّى يأتي أبا عبد الله جعفر بن محمّد فقل له : هذا ابن عمّك يقرأ عليك السّلام ويقول
__________________
(١) رضيّ الدين أبو القاسم علي بن موسى الحسني الحلّي من آل طاوس جمع بين العلم والعبادة والزهادة وبين الشعر والأدب والانشاء والبلاغة ، تنسب إليه الكرامات العالية ، وقيل : إنه كان أعبد أهل زمانه وأزهدهم ، وعن العلاّمة الحلّي في بعض إجازاته وهو ممّن روى عنه ، يقول عند ذكره : وكان رضيّ الدين علي صاحب كرامات حكي بعضها وروى لي والدي البعض الآخر ، وكان أزهد أهل زمانه ..
(٢) حجّ المنصور أيّام الصادق عليهالسلام ثلاث مرّات عام ١٤٠ و ١٤٤ و ١٤٧ وبعد وفاة الصادق مرّتين عام ١٥٢ وعام ١٥٨ فلم يتمّ الحجّ ، انظر تاريخ اليعقوبي : ٣ / ١٢٢ طبع النجف ، والذي يظهر أن المنصور في كلّ مرّة من الثلاث يأمر بجلب الصادق عليهالسلام ..