وسئل عن قوله الله عزّ شأنه : « وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا (١) » فقال عليهالسلام : أما والله إن كانت أعمالهم أشدّ بياضا من القباطي (٢) ولكن اذا عرض لهم حرام لم يدعوه (٣).
وقال المفضّل بن عمر (٤) يوما : أنا ما أضعف عملي ، فقال عليهالسلام له : مه استغفر الله ، إن قليل العمل مع التقوى خير من كثير بلا تقوى ، فقال له : كيف يكون كثيرا بلا تقوى؟ قال عليهالسلام : نعم مثل الرجل يطعم طعامه ، ويرفق جيرانه ، ويوطىء رحله (٥) فاذا ارتفع له الباب من الحرام دخله (٦).
وهذا نظير قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن من قال لا إله إلاّ الله غرست له شجرة في الجنّة ، فقال له بعض أصحابه : إذن إن شجرنا في الجنّة لكثير ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ولكن لا ترسلوا عليها نارا فتحرقوها.
الزهد : هو الإعراض عن الدنيا بقلبه وجوارحه ، رغبته في الآخرة وفي ما عند الله تعالى ، وهو أحد منازل الدين وأعلى مقامات العارفين.
وحقّا أن العارف بالله لا ينبغي أن يعبأ بالدنيا إن أقبلت عليه أو أدبرت عنه ، لأن الإقبال عليها يشغله عن التماس تلك الرتب ، التي لا يحسّ بحلاوتها إلاّ
__________________
(١) الفرقان : ٢٣.
(٢) الثياب المنسوبة الى قبط مصر.
(٣) الكافي ، باب اجتناب المحارم : ٢ / ٨١ / ٥.
(٤) الجعفي الكوفي ممّن أخذ عن الصادق والكاظم عليهماالسلام وكان من وكلاء الصادق في الكوفة وسنذكره في ثقات المشاهير من رواته.
(٥) كناية عن استعداده لقبول الأضياف وغشيانهم داره.
(٦) الكافي ، باب الطاعة : ٢ / ٧٦ / ٧.