من تارك لأمر قد سعد به حين أتاه » (١).
وانتبه الى قوله عليهالسلام : « ما أنزلت الدنيا من نفسي إلاّ بمنزلة الميتة ، اذا اضطررت إليها اكلت منها ، إن الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون والى ما هم إليه صائرون ، فحلم عنهم عند أعمالهم السيّئة لعلمه السابق فيهم ، فلا يغرّنك حسن الطلب ممّن لا يخاف الفوت » ثمّ تلا قوله تعالى : « تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فسادا » (٢) وجعل يبكي ويقول : « ذهبت والله الأماني عند هذه الآية » ثمّ قال عليهالسلام : « فاز والله الأبرار ، الذين لا يؤذون الذر ، كفى بخشية الله علما ، وكفى بالاغترار جهلا » (٣).
أقول : أراد بقوله « ذهبت والله الأماني » أماني أهل الأعمال السيّئة إذ يحلم الله عنهم فيظنّون أنهم في نجاة من عذاب الله في الآخرة ، ولكن الآية دالّة على أن الدار الآخرة مقصورة على هؤلاء الذين لا يريدون العلوّ ولا الفساد ، إذن فلا نصيب لغيرهم فيها ، وأين تكون أماني أهل الآمال الذين ليسوا من اولئك ، وقد قطعت الآية تلك الأماني من نفوسهم.
وشكا إليه رجل الحاجة ، فقال عليهالسلام : « اصبر فإن الله سيجعل لك فرجا » ثمّ سكت ساعة ، ثمّ أقبل على الرجل فقال : « اخبرني عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال : أصلحك الله ، ضيق منتن ، وأهله بأسوإ حال ، فقال عليهالسلام : إنما أنت في السجن فتريد أن يكون فيه سعة أما علمت أن الدنيا سجن المؤمن ».
وتأمّل قوله عليهالسلام : « من أصبح وأمسى والدنيا اكبر همّه جعل الله
__________________
(١) تحف العقول للحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني الحلبي الفقيه الجليل : ص ٢٠٨.
(٢) القصص : ٨٣.
(٣) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٩٣ / ٧.