إذلال له إن أمسك عن المجاراة ، وليس من الأدب وجميل العشرة أن تكلّف رفيقك أو تذلّه ، فيقول لشهاب بن عبد ربّه (١) : لا تفعل يا شهاب إن بسطت وبسطوا أجحفت بهم ، وإن هم أمسكوا أذللتهم ، فاصحب نظراءك ، اصحب نظراءك.
هذا بعد أن قال شهاب للإمام : قد عرفت حالي وسعة يدي وتوسيعي على إخواني ، فأصحب النفر منهم في طريق مكّة فأوسع عليهم (٢).
أقول : وكما يذلّ المرء سواه اذا ربا عليه بالإنفاق ، يذلّ نفسه اذا ربا عليه غيره ، وكما نهى الإمام في الأوّل عن صحبة الأضعف حالا ، نهى في الثاني عن صحبة الأقدر مالا ، فقال لأبي بصير : ما احبّ أن يذلّ نفسه ، ليخرج مع من هو مثله.
وهذا بعد أن سأله أبو بصير عن الرجل يخرج مع القوم المياسير ، وهو أقلّهم شيئا فيخرج القوم النفقة ، ولا يقدر هو أن يخرج مثلما أخرجوا.
وقال لهشام بن الحكم وقد سأله عن مثل ذلك : « اصحب مثلك » (٣) فالإمام قد جعل المحور في الحالين صحبة النظير ، لئلاّ يذلّ غيره أو يذلّ نفسه ، وهذه إحدى حكمه البليغة ، ورغباته في حسن الأدب للناس.
من أدب المرء ورجحان نهاه حسن الجوار ، وهو خلق فاضل يدعو إليه
__________________
(١) الكوفي وهو من أصحاب الصادق عليهالسلام وثقات الرواة ، وروى عنه الثقات أمثال ابن أبي عمير.
(٢) الوسائل ، باب أنه يستحب للمسافر أن يصحب نظيره : ٨ / ٣٠٢ / ١.
(٣) المصدر السابق : ٨ / ٣٠٣ / ٥.