العقل ، وكانت العرب تتفاخر فيه وتناضل عن الجار ما استطاعت ، وقد أقرّ الاسلام تلك السجيّة النبيلة ، وزاد في تقديرها والحثّ عليها ، فكانت وصايا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم متوالية فيه ، حتّى قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ما زال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوصينا بالجار حتّى ظننا أنه سيورّثه.
وعلى هذا المنوال نسج بنوه فقال صادقهم عليهالسلام في وصيّة له : عليكم بتقوى الله ـ إلى أن قال ـ وحسن الخلق وحسن الجوار (١).
وتكرّرت منه هذه الوصيّة في عدّة مواطن حتّى عيّر تاركيه ، فقال عليهالسلام : أما يستحي الرجل منكم أن يعرف جاره حقّه ولا يعرف حقّ جاره (٢).
بل أخرج عنهم من لم يحسن مجاورة جاره ، فقال عليهالسلام من حديث :
وليس منّا من لم يحسن مجاورة من جاوره (٣).
إن رجاحة عقل الفتى تعرف بالإصغاء للنصح ، والأخذ بقول الناصح ، لأن الجاهل تأخذه الحميّة فلا يستمع للنصح ، ظنّا منه أن الناصح يكشف له عن عيوبه ، ولا يرضى الجاهل أن يقف على نقص في نفسه ، وقد فاته أن انكشاف عيوبه لديه يحثّه على سترها بالإصلاح ، ولذا قال الصادق عليهالسلام ـ تعليما لنا وإلاّ فهو المنزّه عن النقص ـ : أحبّ اخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي (٤).
__________________
(١) الوسائل ، باب وجوب عشرة الناس : ١١ / ١٥٦ / ٨.
(٢) المصدر السابق : ٨ / ٣٩٩ / ٤.
(٣) الوسائل ، باب استحباب حسن المعاشرة : ٨ / ٤٨٩ / ٥.
(٤) الوسائل ، باب استحباب قبول النصح : ٨ / ٤١٣ / ٢.