فبعث الله ريحاً قلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال عنه اليهودي ، فلما أصبح نظر إلى الرمل وقد نقل ، ودهش لما رأى وخيّل إليه أنه ضرب من السحر ، فقال مخاطباً سلمان :
يا روزبة ، أنت ساحر وأنا لا أعلم ، فلأخرجنك من هذه القرية لئلا تهلكها ! .
ونفذ اليهودي قوله ، فأخرجني فباعني لإمرأةٍ سَلْمية ، فأحبتني حباً شديداً ، وكان لها حائط ( بستان ) فقالت : هذا الحائط لك ، كلْ منه ما شئت ، وتصدق بما شئت .
مكث سلمان مع هذه المرأة فترةً طويلة يدير لها شئون بستانها يسقي الزرع ، ويؤبّر النخل وما إلى ذلك بكل أمانةٍ واخلاص ، ويدعو الله بين الحين والحين بقرب الفرج واللقاء بالنبي الموعود صلى الله عليه وآله .
في هذه الفترة كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد خرج بمكة يدعو الناس إلى الهدى والحق واتباع دين الله الذي ارتضى وسلمان لا يعلم بذلك ، وقدم النبي إلى المدينة ، وبينما كان سلمان في رأس نخلة إذ به يسمع رجلاً يقول لصاحبه : « أي فلان ، قاتل الله بني قيلة * مررت بهم آنفاً وهم مجتمعون على رجل بقبا قدم عليهم من مكة يزعم أنه نبي » قال : فوالله ما هو إلا أن سمعتها ، فأخذني القرُّ والإنتفاض ورجَفَتْ بي النخلة حتى كدت أن أسقط . . » لقد خرج محمد إذن ، وأين عنه أنا الآن ، واللوح لا زال معي ، ولكن ، العلامات الثلاث لا بد أن تكون فيه !
ويستمر سلمان في دعائه لله أن ييسر له اللقاء بمحمد ، فهو لا يستطيع الهرب عن مولاته ، لأن ذلك قد يعقد الأمور ويعطيه صفة ( الآبق ) الذي يستحق أنواع العقوبات في شريعة الجاهليين سيما إذا لحق بمحمد ، ففضّل التريث والتعقل في الأمر ، وتحيّن الفرص الملائمة في الوصول إليه ، لكنه بقي في دوامة من التفكير لا تهدأ ، واستمر هكذا أيام .
__________________
* : لقب الأنصار