ونموه ، فكان منهم العربي والفارسي والرومي والحبشي والنبطي وكانوا كلهم سواء في ساحته يجسدون عنوان وحدته وشموله ويمثل هو عنوان وحدتهم وقوتهم دون أن يكون لإختلاف الدم أو العنصر أي تأثير .
ولقد كان للمبادرين الأول في هذا المضمار ميزة خاصة من بين سائر المسلمين مكنتهم من إحتلال الصدارة في التأريخ الإسلامي ، وأعطتهم لقب السبّاق نحو الإسلام وكان من بينهم صاحبنا سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه .
قال علي عليه السلام : السُبّاق خمسة ، فأنا سابقُ العربْ ، وسلمان سابقُ فارس وصهيبُ سابق الروم ، وبلال سابقُ الحبشة ، وخبّابُ سابقُ النبط » .
لقد استطاع هؤلاء النفر أن يجسدوا نظرية الإسلام حول التفاضل بين بني الإنسان ، هذه النظرية التي تقوم على أساس التقوى ، تقوى الله سبحانه واطاعته والسير على منهاجه الذي إرتضاه ، كما هو صريح التعبير القرآني . قال تعالى :
« يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » . ٤٩ ـ ١٣
فكانوا أوضح مصداق لهذا المضمون بفضل سلوكهم الصحيح المتسم بالإخلاص والجدية والتفاني في سبيل الله ورفع كلمته ، وبهذا صار كل واحد منهم سابق أمته باستحقاق وجدارة .
ومن
ثم ، فقد شن الإسلام حرباً شاملةً في وجه العصبيات بشكل عام ، وكافح دعاتها ، فالعصبية ـ عنصريةً كانت أو عرقيةً أو قبلية ـ لا ترتبط بأي مبدإٍ ذي قيمةٍ من الوجهة الأخلاقية ، ولا تخضع لأي منطق عقلي ، بل الحكم فيها يرجع إلى العاطفة وحدها ، لأن العصبية لا تعدو كونها ثورةً عاطفية تنتاب الفرد أزاء قرابته أو قبيلته أو بني قومه ، دون أن يكون للعدل فيها دور ، لذا فان الإسلام قد دعا إلى قلب هذه العقلية التي يتسّم بها المجتمع الإنساني بشكل عام وتوجيهها بطريقة إنعاكسية نحو الإيمان بالله سبحانه ، فهو