والغارات متواصلة فيما بينهم ، والقلوب متجهة إلى النهب والغنيمة ، والخطى مسرعة إلى إصلاء نيران الحروب والمعارك. وكان للعرب القسم الوافر من خرافات العقيدة ، ووحشية السلوك ، فلا دين يجمعهم ، ولا نظام يربطهم وعادات الآباء تذهب بهم يمينا وشمالا ، وكان الوثنيون في بلاد العرب هم السواد الاعظم فكانت لهم ـ باختلاف قبائلهم وأسرهم ـ آلهة يعبدونها ويتخذونها شفعاء إلى الله ، وشاع بينهم الاستقسام بالانصاب والازلام ، واللعب بالميسر ، حتى كان الميسر من مفاخرهم (١) وكان من عاداتهم التزويج بنساء الآباء (٢) ولهم عادة اخرى هي أفظع منها ـ وهي وأد البنات ـ دفنهن في حال الحياة (٣).
هذه بعض عادات العرب في جاهليتهم. وحين بزغ نور محمد (ص) وأشرقت شمس الاسلام في مكة ، تنوروا بالمعارف ، وتخلقوا بمكارم الاخلاق ، فاستبدلوا الوثنية بالتوحيد ، والجهل بالعلم ، والرذائل بالفضائل ، والشقاق والتخالف بالاخاء والتآلف ، فأصبحوا أمة وثيقة العرى مدت جناح ملكها على العالم ، ورفعت أعلام الحضارة في أقطار الارض وأرجائها. قال ألدوري (٤) :
|
« وبعد ظهور الذي جمع قبائل العرب أمة واحدة ، تقصد مقصدا واحدا ، ظهرت للعيان أمة كبيرة ، مدت جناح ملكها من نهر تاج إسبانيا إلى نهر الجانج في الهند ، ورفعت على منار الاشادة أعلام التمدن في أقطار الارض ، أيام كانت أوروبا مظلمة بجهالات أهلها في القرون المتوسطة. ثم قال : إنهم كانوا في القرون المتوسطة مختصين بالعلوم من بين سائر الامم ، وانقشعت |
__________________
١ ـ بلوغ الارب ج ٣ ص ٥٠ طبع مصر
٢ ـ نفس المصدر ج ٢ ص ٥٢.
٣ ـ نفس الصمدر ج ٣ ص ٤٣
٤ ـ هو أحد وزراء فرنسا السابقين.