فلمّا أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطّلب إلاّ أتتني فقالت : أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثمّ يتناول النساء وأنت تسمع ولم يكن عندك شيء غير ما سمعت.
قال العبّاس : فقلت : قد كان هذا وأيم الله لأتعرضنّ له ، فإن عاد لأكفيتكموه.
قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أن قد فاتني أمرا احبّ أن ادركه منه.
قال : فدخلت المسجد فرأيته ، فو الله انّي لأمشي نحوه ليعود لبعض ما قال فأقع فيه ، فإذا هو وقد خرج نحو باب المسجد يشتدّ ، فقلت في نفسي : ما له لعنه الله أكلّ هذا فرقا من أن اشتمه ، فإذا هو قد سمع ما لم أسمعه صوت أبي ضمضم بن عمرو وهو يقول ببطن الوادي : يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم أموالكم مع أبي سفيان فقد عرض لها محمّد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث ، قال : فشغلني عنه وشغله عنّي ما جاء من الأمر. قال : فتجهّز الناس سراعا (١).
وخرج تسعمائة وخمسون ، ويقال : ألف ومائتان وخمسون ، ويقال : ثلاثة آلاف ومعهم مائتان فرس يقودونها ، والقيان (٢) يضربن بالدفوف ويتغنّين بهجاء المسلمين ، ولم يبق من قريش بطن إلاّ خرج منها ناس إلاّ من بني زهرة وبني عدي بن كعب ، واخرج فيهم طالب كرها فلم يوجد في القتلى والأسرى.
وشاور النبيّ أصحابه في لقائهم أو الرجوع ، فقال أبو بكر وعمر كلاما فأجلسهما ، ثمّ قال المقداد وسعد بن معاذ كلاما فدعا لهما وسرّ ، ونزل : ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) (٣) وأصابهم المطر فبعثوا عمير بن وهب الجمحي حتّى طاف على عسكر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : نواضح يثرب ، فنزل : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) (٤).
__________________
(١) البداية والنهاية : ج ٣ ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
(٢) القيان : جمع قينة وهي المغنّية.
(٣) آل عمران : ١٤٤.
(٤) الأنفال : ٦٣.