بالبيت ، وأنّه رقد ذات يوم فرأى في منامه كأنّ بابا انفتح عليه من السماء فنزل منه نور فشمله ، فانتبه لذلك مسرورا ومنه ذعرا. ثمّ نهض إلى منزله ، فركب فرسه وخرج في عدّة من مواليه حتّى أتى راهب الجحفة ، فقصّ عليه رؤياه ، فتأوّلها الراهب له فقال : أمّا السماء التي رأيتها فهي زوجة تملكها من كرائم النساء ، وأمّا النور الذي شملك فهو ولد يفتح الله الأرض على يديه ويكون وصيّ نبيّه وناموس زمانه ، ووصف له صفة أمير المؤمنين عليهالسلام ، وأنعته وعلامة ولادته فسرّ بذلك أبو طالب وأمر له ببكرة وحلّة يمانية ومائة درهم ، وقفل راجعا إلى مكّة.
فلمّا كان من الغد أقبل في رهطه وولد أبيه إلى الكعبة وطاف حولها ، ثمّ عاد إلى الحجر فرقد فيه ، فرأى في منامه كأنّه البس اكليلا من ياقوت وسربالا من عبقر (١) وكأنّ قائلا يقول : أبا طالب قرّت عيناك وظفرت يداك وحسنت رؤياك ، فأنالك بالولد ومالك التلد وعظيم البلد على رغم الحسد. فانتبه فرحا وبرؤياه معجبا ، وخرج من الحجر فطاف حول الكعبة.
ثمّ عاد إلى الحجر فرقد فيه فرأى في منامه كأنّ رجالا غرّ الوجوه كالبروق ينادونه : عبد مناف ما يثنيك عن ابنة عمّك أسد بن هاشم ، فعمّا قليل تحوي منها شرفا طيبا وذكرا عاليا ، أكرم به كنزا ، ولك عزّا يبلغ المشارق والمغارب ، ويقمع الجبت والطاغوت. فاستوى جالسا ، وخرج من الحجر ماضيا لا يعرج على شيء حتى أتى أهله فخبّرهم بما رأى.
ثمّ أقبل وأخواه حمزة والزبير إلى منزل أسد ، فلم يبرحوا حتى عقدوا النكاح وأجمعوا على شهر يجتمعون فيه ، ثمّ دلف القوم إلى منازلهم ، وأقبل أبو طالب إلى الكعبة فطاف حولها ، ثمّ دلف إلى منزله وبعث إلى القوم بكلّ ما عقدوا من المهر وغيره ، وأعدّ في منزله الذبائح والطعام ، فلمّا بلغ الوقت أقبل رهطه وولد أبيه إلى الكعبة وقريش مجتمعة وجماجم العرب مختلفة فسلّم وجلس.
__________________
(١) قال ابن سيدة : عبقر قرية باليمن توشّى فيها الثياب والسبط ، فثيابها أجود الثياب ، فصارت مثلا لكلّ منسوب إلى شيء رفيع. ( لسان العرب : ج ٤ ص ٥٣٥ مادة « عبقر » ).