بما في الصحف الاولى ، قائما بالتأويل والذكرى ، معلّقا بالأسباب الحسنى ، تارك الجور والأذى ، حائدا عن طرقات الردى ، خير من آمن واتّقى ، وسيّد من تقمّص وارتدى ، وأفضل من حجّ وسعى ، وأخطب أهل الدنيا سوى الأنبياء والنبيّ المصطفى ، صاحب القبلتين ، فهل يوازنه أحد من الورى؟! وزوج خير النساء ، وأبا السبطين ، الزاهد في الدنيا ، أنيس المصطفى ، لم تر عيني مثله ولا ترى أحدا حتى القيامة ، على من يلعنه لعنة الله والعباد الى يوم القيامة والتناد.
حدّث محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنّه قال : والله أن كان علي عليهالسلام ليأكل أكل العبد ، ويجلس جلسة العبد ، وان كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيعطي غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر ، فإذا جاز أصابعه قطعه ، وإذا جاز كعبه حذفه. ولقد ولي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة ، ولا لبنة على لبنة ، ولا قطع قطيعا ، ولا أورث بيضاء ولا حمراء ، وأن كان ليطعم الناس خبز البرّ واللحم وينصرف الى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخلّ ، وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضى إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه ، ولقد أعتق ألف مملوك من كدّ يديه ، تربت منه يداه (١) وعرق فيه وجهه ، وما أطاق عمله أحد من الناس ، وأن كان ليصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وأن كان أقرب الناس شبها به عليّ بن الحسين عليهالسلام ، ما أطاق عمله أحد من الناس بعده (٢).
وسمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول : انزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ .. ) الآية (٣).
قال اسحاق بن أبي مروان : سألت أبا جعفر محمّد بن علي عليهماالسلام : كم كانت سنّ علي عليهالسلام يوم قتل؟
__________________
(١) أي صار التراب في يده ، وكأنّه إشارة الى عمله عليهالسلام في البساتين.
(٢) أمالي الصدوق : ص ٢٣٢ باب ٤٧ ح ١٤.
(٣) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٣٧٥ باب ١٧ ح ١.