وإذا ثبت إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم بإرادة الله تعالى فلا يجوز ثبوت خلاف ذلك فيهم بإرادة غير الله تعالى ، وبذلك أمنّا وقوع الخطأ منهم عاجلا وآجلا.
وإذا أمنّا وقوع الخطأ منهم وجب الاقتداء بهم دون من لم نأمن منه وقوع الخطأ وتطرق الرجس عليه وترك التطهير له ، ومن تؤمّن وقوع الخطأ منه ثبت أنّه يهدي الى الحقّ لموضع تنزيه الله تعالى له وهدايته إيّاه ، ومن كان كذلك كان أحقّ بالاتّباع لموضع قول الله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) فقد أوجب الله سبحانه وتعالى الاقتداء بمن يهدي الى الحقّ ، وليس ذلك إلاّ مع تطهيره له وإذهاب الرجس له ، ووبّخ من لم يحكم بذلك ، فصار ذلك حكم الله سبحانه وتعالى ، ومن لم يحكم به كان من أهل هذه الآية : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٢).
وبيت تقاصر عنه البيوت |
|
طال علوّا على الفرقد |
تحوم الملائك من حوله |
|
ويصبح للوحي دار الندي |
وقال الفخر الرازي في كتاب الأربعين : إنّ الاثنى عشرية قد احتجّوا على أنّ البيعة لا يمكن أن تكون سببا لحصول الإمامة بوجوه :
الشبهة الاولى : انّ هؤلاء الذين يبايعون الإمام لا قدرة لهم البتة على التصرّف في آحاد الامّة وفي أقلّ مهمّ من مهمّاتهم ومن لا قدرة له على التصرّف في أقلّ الامور لأقلّ الأشخاص ، كيف يعقل أن يكون له قدرة على إقدار الغير على التصرّف في جميع أهل الشرق والغرب؟!
الشبهة الثانية : انّ إثبات الإمامة بالعقد والبيعة يفضي الى الفتنة ، لأنّ أهل كلّ بلد يقولون الإمام منّا أولى والإمام الصادر منّا أرجح ، ولا يمكن ترجيح البعض على البعض ، فيفضي الى الهرج والمرج وإثارة الفتنة ، ومعلوم أنّ المقصود من نصب الإمام إزالة الفتنة بقدر الإمكان ، فنصب الإمام بطريق البيعة يفضي الى التناقض ، فكان باطلا.
__________________
(١) يونس : ٣٥.
(٢) المائدة : ٤٤.