فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (١) فإن قلتم إنّه فرّ منهم من غير خوف على نفسه فقد كذّبتم القرآن ، وإن قلتم إنّه فرّ منهم خوفا فعليّ أعذر.
والسادس : هارون عليهالسلام حيث قال : ي ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ ) (٢) فإن قلتم إنّه لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كذّبتم القرآن ، وإن قلتم بل استضعفوه وأشرفوا على قتله فعليّ أعذر.
والسابع : محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث هرب الى الغار ، بل إن قلتم إنّه هرب من غير خوف أخافوه به فقد كذّبتم القرآن ، وإن قلتم بل أخافوه فلم يسعه إلاّ الهرب فعليّ أعذر.
فقال الناس بأجمعهم : صدق أمير المؤمنين عليهالسلام ، وهذا هو الحقّ ، والعذر واضح.
حدّث القاضي الأمير أبو عبد الله محمّد بن عليّ الجلابي المغازلي بواسط سنة أربعين وخمسمائة ، قال : حدّثني أبي ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن يعقوب الديّاس ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن مخلّد ، قال : حدّثنا جعفر بن حفص ، قال : حدّثنا سوادة بن محمّد ، قال : حدّثنا عبد الله بن صالح ، عن محمّد بن مسلم الانطاعي ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى الأنصاري ، عن عمّه حارثة بن زيد أنّه قال : شهدت مع عمر بن الخطّاب حجّته في خلافته فسمعته يقول : اللهمّ قد عرفت محبّتي لنبيّك وكنت تطلعه من سرّك (٣) ما صدّقناه عنك ، اللهمّ فحبّبني الى وصيّه وصاحب سرّه. فلمّا رآني أمسك ، وحفظت الكلام منه.
فلمّا انقضى الحجّ وانصرفنا الى المدينة تعمدت الخلوة به ، فرأيته يوما على راحلته يسير وحده ، فقلت له : يا أمير المؤمنين بالذي هو إليك أقرب من حبل الوريد إلاّ أخبرتني عمّا اريد أن اسألك عنه.
فقال : سل عمّا شئت.
فقلت له : سمعتك تقول كذا وتقول كذا ، فكأنّما فتّ في وجهه الرمّان.
فقلت له : لا تغضب فو الذي استنقذني من الجهالة وأدخلني في الإسلام ما
__________________
(١) الشعراء : ٢١.
(٢) الأعراف : ١٥٠.
(٣) كذا ، في البحار : اللهمّ قد تعلم جيئتي لبيتك وكنت مطّلعا من سترك.