ولمّا شاع خبره في الآفاق وظهر فيه نور النبوّة سجد له جاثليق بني غسّان وقضاعة وربيعة وخبّر هرقل بأخبار النبي محمّد المذكور في الإنجيل رغب فيه أن يزوّج منه ابنته بجيل ، فتعلّل هاشم بالقحط الواقع فيهم واستأجله سنة ، وسرّ بذلك.
ثمّ إنّ هاشما رأى في منامه أنّ كفؤك سلمى بنت عمرو من بني النجّار دون ابنة قيصر. فلمّا انتبه قصّ ذلك على أهل الثقة فأشاروا إليها فتزوّجها ، فولدت له عبد المطّلب.
وكان هاشم يفتي على دين المسيح عليهالسلام ، ويدعونه حواري الهادي ، وحبر الصارم ، ولذلك قيل : بنو هاشم سادات الأنام في الجاهلية والإسلام.
وولد هاشم وعبد الشمس توأمان في بطن ، فقيل : إنّه اخرج أحدهما واصبعه ملتصقة بجبهة الآخر ، فلمّا ازيلت من موضعها ادميت ، فقيل يكون بينهما دم.
وروى محمّد بن العبّاس ، عن عمّه ، عن ابن حبيب قال : كان اميّة بن عبد الشمس ميّلا ، فلمّا صنع هاشم عمّه ما صنع تكلّف مثل فعله ، فعجز عنه وقصّر ، فشمت به ناس من قريش وسخروا منه ، فهاج ذلك بينه وبين عمّه شرّا ، حتّى دعا هاشما الى المنافرة ، وألّب اميّة اخوته ووبّخوه ، فكره ذلك هاشم لسنّه ، وأبى اميّة.
فقال هاشم : أما إذا أبيت إلاّ المنافرة فأنا انافرك على خمسين ناقة ننحرها ببطن مكّة والجلاء عنها عشر سنين.
فرضيا بذلك وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي ، وخرج أبو همهمة بن عبد العزّى من بني الحارث بن فهر ، وكانت ابنته أمة بنت أبي همهمة عند اميّة ، فخرج كالشاهد لهما.
فقالوا : لو خبأنا له خبيئا نبلوه به. فوجدوا أطباق جمجمة بالية ، فأمسكها أبو همهمة معه ، ثمّ أتوا الكاهن ، وكان منزله (١) الإبل ببابه.
فقالوا : إنّا قد خبئنا لك خبيئا فأنبئنا عنه.
قال الكاهن : أحلف بالنور والظلمة ، وما بتهامة من أكمة ، لقد خبأتم لي أطباق
__________________
(١) هنا كلمتان مطموستان.