من بعدي. قال المسيّب : فقلت : مولاى كيف تأمرني؟ وكيف أفتح لك الأبواب والحرس معي على الأبواب وأقفالها؟ فقال : يا مسيّب ضعفت نفسك في الله وفينا فقلت : يا سيّدي بيّن لي. فقال : يا مسيّب إذا مضى من هذه الليلة المقبلة ثلثها قف فانظر. قال المسيّب : فحرّمت عليّ النوم في تلك الليلة ، فلم أزل راكعا وساجدا وناظرا ما وعدنيه ، فلمّا مضى من الليل ثلثه تغشّاني النعاس وأنا جالس فإذا أنا بسيّدي موسى عليهالسلام يحرّكني برجله ففزعت وقمت قائما ، فإذا سلك الجدران المشيّدة والأبنية المعلاّة وما حولنا من القصور قد صارت كلّها أرضا ، فظننت بمولاي أنّه أخرجني من المجلس الذي كان فيه. قلت : مولاي خذ بيدي من ظالمك وظالمي. فقال : يا مسيّب تخاف القتل؟ قلت : مولاي معك لا. فقال : يا مسيّب فاهدأ على جملتك ، فإنّي راجع إليك بعد ساعة وإذا ولّيت عنك فسيعود المجلس إلى شأنه. قلت : مولاي فالحديد الذي عليك كيف تصنع به؟ فقال : ويحك يا مسيّب بنا والله ألان الله الحديد لنبيّه داود عليهالسلام ، فكيف يصعب علينا؟! قال : ثمّ خطا من بين يديّ خطوة فغاب عن بصري ، ثمّ ارتفع البنيان وعادت القصور إلى ما كانت عليه ، واشتدّ اهتمامي بنفسي وعلمت أنّ وعده الحقّ ، فلم أزل قائما على قدمي فلم ينقضي إلاّ ساعة حتى رأيت الجدران والأبنية قد خرّت إلى الأرض وإذا أنا بسيّدي عليهالسلام وقد عاد إلى حبسه وعاد الحديد إلى رجليه ، فخررت ساجدا لوجهي بين يديه. فقال : ارفع رأسك يا مسيّب واعلم أنّ سيّدك راحل عنك إلى الله في ثالث هذا اليوم. قلت : مولاي فأين سيّدي عليّ؟
فقال : شاهد غير غائب يا مسيّب ، وحاضر غير بعيد. قلت : سيّدي فإليه قصدت. قال : قصدت والله يا مسيّب كلّ منتجب لله على وجه الأرض شرقا وغربا قال : فبكيت. فقال : لا تبك يا مسيّب ، فإنّا نور لا يطفأ ، إن غبت عنك فهذا عليّ ابني يقوم مقامي بعدي. فقلت : الحمد لله. قال : ثمّ إنّ سيّدي دعاني فقال لي : يا مسيّب إذا أنا دعوت بشربة ماء فشربتها فرأيتني قد انتفخت بطني يا مسيّب واصفرّ لوني واحمرّ واخضرّ وتلوّن ألوانا فخبّر الظالم بوفاتي ، وإيّاك إذا رأيت بي هذا الحدث أن تظهر عليه أحد من عندي إلاّ بعد وفاتي. قال المسيّب : فلم أزل أترقّب وعده