الفضل وأنّ صغر السنّ فيهم لا يخرجهم عن الكمال ، أما علمتم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وهو ابن عشر سنين وقبل منه الإسلام وحكم له به ، ولم يدع أحدا في سنّه غيره ، وبايع الحسن والحسين وهما ابنا دون ستّ سنين ولم يبايع صبيّا غيرهما ، أفلا تعلمون الآن ما خصّ الله به هؤلاء القوم وأنّهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟ قالوا : صدقت يا أمير المؤمنين ، ثمّ نهض القوم (١).
وقيل : إنّ بعد وفاة الرضا عليهالسلام بسنة قدم المأمون إلى بغداد وخرج يتصيّد ، واجتاز يطوف البلد في طريقه والصبيان يلعبون ، ومحمّد واقف معهم ، وكان عمره يومئذ تسع سنين ، فلمّا أقبل الخليفة المأمون انصرف الصبيان هاربين فوقف أبو جعفر محمّد فلم يبرح مكانه ، فقرب منه الخليفة فنظر إليه ، وكان الله عزّ وعلا قد ألقى عليه مسحة من قبول ، فوقف الخليفة وقال له : يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟
فقال له مسرعا : يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لا وسعه عليك بذهابي ، ولم يكن لي جريمة فأخشاها ، وظنّي بك حسن أنّك لا تضرّ من لا ذنب له فوقفت.
فأعجبه كلامه ووجهه فقال له : ما اسمك؟ فقال : محمّد. قال : ابن من؟ قال : ابن عليّ الرضا. فترحّم على أبيه ومضى إلى وجهته ، وكان معه بزاة.
فلمّا بعد عن العمارة أخذ بازيا فأرسله على درّاجة فغاب عن عينه غيبة طويلة ثمّ عاد من الجوّ ومعه سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة ، فأعجب الخليفة من ذلك غاية العجب ، ثمّ أخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل منه ، فلمّا وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم ، فانصرفوا كما فعلوا أوّل مرّة وأبو جعفر معهم لم ينصرف ووقف كما وقف أوّلا. فلمّا دنا منه الخليفة قال له : يا محمّد. قال له : لبيك يا أمير المؤمنين. قال له : ما في يدي؟ فألهمه الله عزّ وعلا
__________________
(١) الاحتجاج : ص ٤٤٣ ـ ٤٤٦ ، كشف الغمة : ج ٢ ص ٣٥٣ ـ ٣٥٧.