الحوضين اللّذين في حائط عوف ، وكانت العرب تتحاكم الى قصيّ زمانا ودهرا حتى ولد له عبد مناف.
وإنّما سمّي عبد مناف لأنه شرف وعلا وناف فضرب إليه الركبان من أطراف الأرضين يتحفونه بتحف الملك ، بيده لواء نزار وقوس إسماعيل وسقاية الحاجّ ، ووهب له خمسة من الذكران وتسع نسوة ، فأوّل من ولد له هاشم.
وإنّما سمّي هاشما لأنّه أوّل من هشم الثريد لقومه ، وكان الناس في جدوبة شديدة وضيق من الزمان فكانت مائدته منصوبة لا تحمل في السرّاء والضرّاء ، وكان يحمل أبناء السبيل ويؤوي الخائفين ، وكانت ضفيرتاه على صفة ظفيرتي إسماعيل النبيّ عليهالسلام. وخرج أفخر قومه مفاخرة وأسبقهم سابقة لم تدنّسه دنسات الامّهات ، بل امّهاته طاهرات مطهّرات (١).
حدّث الأوزاعي : قال حدّثني أبو عمّار شدّاد ، قال : حدّثني واثلة بن الأسقع ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ الله اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم » (٢).
فلمّا خصّ الله هاشما بالنور واصطفاه على العرب وقريش كلّها قال الله عزّ وجلّ للملائكة : يا ملائكتي اشهدوا انّي قد طهّرت عبدي هذا من دنس الأرض كلّها.
قال : فأجريت نطفة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم في ظهره ممزوجة بلحمه ودمه فكانت ترى على وجهه كالهلال وكالكوكب الدرّي في توقّد شعاعه لا يمرّ بشيء إلاّ سجد له ، ولا يراه أحد من الناس إلاّ أقبل نحوه.
قال : فلم يزل كذلك حتى اري في المنام أن يزوّج بسلمى بنت زيد بن عمر بن لبيد بن خراش بن عدي بن النّجار ، فتزوّجها وكانت كخديجة بنت خويلد في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لها عقل وحلم ويسار ، وكانت كعوبة نهود عطبولة (٣) فواقعها ،
__________________
(١) ذكر في بحار الأنوار كلاما ملخّصا بمعناه ج ١٥ ص ٣٣ فما بعد نقلا عن كتاب الأنوار للشيخ أبي الحسن البكري.
(٢) البداية والنهاية : ج ٢ ص ٢٥٦.
(٣) العطبول : الممتدّ القامة الطويل العنق ، وقيل : هو الطويل الصلب الأملس ، ويوصف به الرجل والمرأة. النهاية لابن الأثير : ج ٣ ص ٢٥٦ مادة « عطبل ».