وجملة القول : إن مدح المؤمنين على إيمانهم لا يصح إلاّ إذا كانوا مؤمنين باختيارهم ، فلو لم يكونوا مختارين في إيمانهم فلا موضوع حينئذ لمدحهم على أساس إيمانهم لانتفائه بانتفاء إيمانهم ، وكذا الحال في الكافرين فإنه إنما يحسن ذمّهم وعذابهم إذا كانوا كافرين باختيارهم ، فلو لم يكونوا كافرين بسوء اختيارهم لم يبق محلّ لعقابهم لأجل كونهم كافرين ، لأن الكفر لم يكن من فعلهم بل كان من خلق الله وفعله ـ كما يزعمون ـ والقرآن يبطله بقوله : ( ما كانُوا يَفْعَلُونَ ).
وهناك طائفة أخرى من الآيات تدلّ بصراحة على أن أفعال الله تعالى منزّهة من أن تكون كأفعالنا وما فيها من التفاوت والظلم والاختلاف.
فمن ذلك قوله تعالى : ( ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ) [ الملك : ٣ ] وقوله تعالى : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) [ السّجدة : ٧ ] والكفر وغيره من أقذار الجرائم والمعاصي ليست حسنة فليست من خلقه ولا من فعله.
وقوله تعالى : ( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِ ) [ الحجر : ٨٥ ] والشرك والظلم وغيرهما من الشرور ليست حقا فليست من خلقه ولا من فعله.
وقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) [ النساء : ٤٠ ] وقوله تعالى : ( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) [ فصلت : ٤٦ ] وقوله تعالى : ( وَما ظَلَمْناهُمْ ) [ هود : ١٠١ ] وقوله تعالى : ( وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) [ النساء : ٥٩ ] وقوله تعالى : ( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ ) [ يس : ٥٤ ].
فهذه الآيات واضحة الدلالة في أن الظلم ليس من خلقه ولا من فعله وإنما هو من فعل العبيد وظلم بعضهم بعضا ، كما يقول الله تعالى : ( وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) [ هود : ١٠١ ] ويقول تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [ يونس : ٤٤ ] فكيف يصح لمن يؤمن بالله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكتابه أن ينسب خلق الظلم وفعله إلى الله تعالى وهو يرى هذه