الأول : إذا كان نصب الإمام وتعيينه من الله يتضمن مفاسد كثيرة ـ كما يزعم الخصم ـ لكان أيضا بعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعيينه من الله يتضمن مفاسد كثيرة ، وذلك لأن التعليل الّذي جاء به هذا الآلوسي لمنع أن يكون النصب من قبله تعالى للإمام هو أيضا موجود في بعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ونصبه من ( إختلاف آراء العالم وتفاوت أهوائهم وتفارق نفوسهم ) فالعلة فيهما واحدة ، فيجب أن يكون حكمهما واحدا لو صح شيء من تعليله.
وبعبارة أوضح : إن ما تأمله الآلوسي وتفكّر فيه ، أو على الأصح ما قلّد غيره فيه بلا تأمل ولا تفكير فأنتج هذا الرأي الذي ينبذه دين الله ويرفضه كتابه هو بعينه جار في نصب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعيينه من إختلاف الطباع والأهواء والآراء والأذواق ، بل لو صح ما زعمه من دعوى الفساد في تعيين الله تعالى ونصبه لكان تعيين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعثه من قبله أشدّ فسادا من تعيين الإمام ونصبه من قبله؟ وذلك لأن فيه إضافة على زعمه من لزوم المفاسد إذا كان التعيين من قبله تعالى ( اختلاف أديانهم وتباين مذاهبهم ) فهو يريد أن يدعو إلى دين جديد ويمنعهم عن العكوف على ما هم عليه من الدين السّخيف الّذي ما برحوا عاكفين عليه مدّة من الزمن حتى شغفهم حبّه وتعصّب الناس لأديانهم وعقائدهم والتفاني في سبيل الحفاظ عليها ، ومناجزة من يحاول النيل منها بشيء أمر لا ينكر ، وتلك قضية الأنبياء عليهمالسلام مع أممهم ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع هذه الأمة ، فإذا جاز أن يكون في تعيين الإمام ونصبه من الله مفاسد كثيرة ـ كما يزعم ـ جاز أيضا أن يكون في تعيين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعثه من قبل الله مفساد كثيرة بل أكثر ، والمنع فيه حينئذ يكون أولى وهذا ما لا يقول به من كان له دين أو شيء من العقل ، أترى يقول من له دين فضلا من أن يكون من المسلمين إن الله تعالى أراد بإرساله الرسل وتعيينه خلفائهم كثرة الفساد وشدّة الفتن ـ على حد زعم الخصم ـ فإذا بطل هذا وذاك وجب أن يكون النصب والتعيين من قبله تعالى لا من سواه.
الثاني : إن التعيين من قبل النّاس يتضمن أكبر المفاسد وأعظمها إضاعة الشريعة ، وتعطيل الحدود ، وإعانة الظالم ، وقتل النفس المحرّمة ، وصرف أموال