شيء يعلم من حال الباقين كونهم مختارين لما كلفوه عنده فيختص فعله إذ ذاك بمن علم من حاله كونه غير مختار عنده لشيء من القبائح دون من علم أنه لا يترك القبيح عند شيء من الأفعال كما خبر عنهم سبحانه بقوله ( وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) (١) ـ يريد أن يشاء إلجاءهم وكقوله سبحانه ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ) (٢) ـ وأمثال ذلك من الآيات الدالة على وجود مكلفين لا يختارون شيئا من الطاعات ولا يتركون شيئا من القبائح وإن فعل لهم كل آية.
ويحسن تكليف من يعلم أنه لا لطف له وأنه يطيع أو يعصي على كل حال لأنه متمكن بجميع ضروب التمكين مما كلف ولم يمنع واجبا وليست هذه حال من لطفه في القبيح أو فيما لا نهاية له لأن هذا اللطف لم يفعل له فقبح تكليفه.
وأما الصلاح الدنيوي العري من وجوه القبح فغير واجب لأنه لا تعلق له بالتكليف ولا له في نفسه صفة وجوب كالصدق والإنصاف لأن وجوب ما هذه حاله معلوم ضرورة على جهة الجملة ومكتسبا على جهة التفصيل ولأنه لو كان له وجه يقتضي وجوبه لكان ذلك لكونه نفعا وذلك يوجب كل نفع لا ضرر فيه على الفاعل والمفعول له والمعلوم ضرورة خلاف ذلك لوجودنا (٣) سائر الأغنياء من العقلاء يمنعون غيرهم ما له هذه الصفة ولا يستحقون به الذم (٤) من أحد.
وتعلق القائلين بالأصلح في إثبات وجه لوجوبه بذم مانع الاستظلال
__________________
(١) الانعام ٦ : ١١١.
(٢) البقرة ٢ : ١٤٥.
(٣) في النسخة : « لوجوب » وفوق الباء ورد : « دنا ».
(٤) في النسخة : « ولا يستحقّون بالذّم ».