على أنّ لما أسلفناه من البرهان العقلي على إحالة كون الاختيار طريقا إلى الإمامة يسقط فرض النظر عن كلّ مكلف في إمامة القوم ، لوقوف صحّتها على الاختيار المعلوم فساد كونه طريقا إليها ، ويقتضي قبحه ، لتعلّقه بما ثبت قبحه بالعقول.
ومنها : قيام الأدلّة على وجوب كون الإمام على صفات : من العدالة في الظاهر والباطن وماضي الزمان ومستقبله ، والتقدّم في العلم والفضل والشجاعة والزهد على الكافة.
وذلك يبطل إمامة القوم من وجهين :
أحدهما : أنّه لا أحد من الأمّة قطع على ثبوت هذه الصفات لواحد منهم ، فتجب له فساد إمامتهم ، لعدم القطع فيهم بما يجب ثبوته للإمام.
الثاني : أنّه لا أحد قال بوجوب (١) هذه الصفات إلاّ قطع على فساد إمامتهم ، فإذا كانت ثابتة بالأدلّة الواضحة وجب بها القطع بصحّة فتيا الدائن بها.
ومنها : أنه لا يخلو دليل إمامتهم من أن يكون نصّا ، أو دعوة ، أو ميراثا ، أو اختيارا ، وقيام. (٢) الدلالة على أنّها لا سبيل على تميّز عين الإمام إلاّ بمعجز أو نصّ يستند إليه ، فتبطل الدعوة والميراث والاختيار على كلّ وجه.
ويبطل النصّ ، لأنّه لا أحد قطع بما قلناه إلاّ منع من ثبوته للقوم ، ولأنّ الإجماع سابق لدعوى هذه المذاهب عدا الاختيار ، وأنه لم يحتج بها يوم السقيفة ولا بعده من ترشّح للإمامة أو ادعيت فيه ، وإذا خلت أعصار الصحابة والتابعين وتابعيهم من دعوى هذه المذاهب ، وجب القطع على فسادها.
ولأن فساد إثبات الإمامة بالدعوى معلوم بأول نظر ، لأنه إثبات ما لا دليل عليه إلاّ مجرد الدعوى الّتي لا تميّز حقّا من باطل ، ولأنه لا دليل على كون الدعوة طريقا من كتاب ولا سنّة ، وما لا دليل على إثباته يجب نفيه.
__________________
(١) في النسخة : « يوجب ».
(٢) في النسخة : « وقيامه ».