وقوع سبقه موقعه.
على أنّا إن وقّعنا فيمن نزلت هذه الآية ، فلسنا في خروج أبي بكر منها (١) ، لضلاله (٢) المدلول عليه ، وتضمنها الوعد للمذكور فيها بالثواب ، ولفقد برهان على وقوع تصديق أبي بكر موقعه ليسلم له الوعد ، ولو أمكن ذلك لأغنى عن الآية بلا خلاف.
ومن ذلك فيه : قوله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) (٣).
قالوا : وقد روى المفسّرون أنّه أبو بكر.
والجواب : أنّا آمنون كون الآية [ ليست ] فيه ، لما قدّمناه من ضلالته ، وتضمّنها وصفا لا يليق بالضلال.
ثم لو فرضنا ارتفاع ذلك ، لكان الظاهر العموم في كلّ معط ومصدّق ، فلا يجوز تخصيصها إلاّ بدلالة ، ولا دلالة في قول المفسّرين.
وبعد ، فروايتهم مختصّة بتصديقه بحديقة نخل تسمّى الحسنى.
فأوّل ما في هذا أنّه لا تعرف في الحجاز حديقة توصف بذلك ، ولأنه لو كان الحال كذلك لقال : تصدّق ، ولما قال : ( صَدَّقَ ) ، وهو من التصديق ، وقابله بكذب المتعلّقين بالاعتقادات دون الصدقة ، دلّ على ما ذكرناه.
ومن ذلك فيه : قوله تعالى : ( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٤).
قالوا : وهذه الآية في أبي بكر ومسطح عند قذفه عائشة ، وحرمان أبي بكر إيّاه البرّ ، وقد سمّاه الله تعالى أولي فضل ، وهذا يخالف ما يقولون فيه.
والجواب من وجوه :
__________________
(١) أي : في شك.
(٢) في النسخة : « الضلالة ».
(٣) الليل ٩٢ : ٥ ـ ٦.
(٤) النور ٢٤ : ٢٢.