وجوده وجود سببه ، بل هو مسبّب من الاستظهار من هذه الأدلّة ، فلا بدّ وأن يراجع الفقيه إلى نفس هذه الأدلّة وأنّها هل تدلّ على هذه القاعدة أم لا؟
الرابع : مناسبة الحكم والموضوع ، بمعنى أنّ شرف الإسلام وعزّته مقتض بل علّة تامّة لأنّ لا يجعل في أحكامه وشرائعه ما يوجب ذلّ المسلم وهوانه ، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ( وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (١) فكيف يمكن أن يجعل الله حكما ويشرعه يكون سببا لعلوّ الكفّار على المسلمين ، ويلزم المسلم على الامتثال بذلك الحكم؟ فيكون الكفّار هم الأعزّة ، ويكون المسلمون هم الأذلّة الصاغرون ، مع أنّه تبارك وتعالى حصر العزّة لنفسه ، ولرسوله ، وللمؤمنين في الآية الشريفة التي تقدّم ذكرها.
والإنصاف أنّ الفقيه يقطع بعد التأمّل فيما ذكرناه بعدم إمكان جعل مثل ذلك الحكم الذي يكون سببا لهوان المسلم وذلّة بالنسبة إلى الكافر الذي لا احترام له ، وهو كالأنعام بل أضل سبيلا. وليس هذا الكلام من باب استخراج الحكم الشرعي بالظنّ والتخمين كي يكون مشمولا للأدلّة الناهية عن العمل بالظنّ والقول بغير علم والافتراء على الله ، بل هو من قبيل تنقيح المناط القطعي بل يكون استظهارا من الأدلّة اللفظيّة القطعيّة كما تقدّم شرحه.
وعندي أنّ هذا الوجه أحسن الوجوه للاستدلال على هذه القاعدة ؛ لأنّه ممّا يركن النفس إليه ويطمئنّ الفقيه به. نعم ربما يكون هناك مصلحة أهمّ للإسلام أو المسلمين يكون سببا لجعل حكم يكون موجبا لعلوّ الكافر على المسلم في بعض الأحيان ، كما أنّه ربما يجعل حكما يكون موجبا لا فناء جماعة من المسلمين ، كما في مورد تترس الكفّار بالمسلمين ، والمسألة مذكورة في كتاب الجهاد مشروحا مفصّلا ، وسنذكر إن شاء الله تعالى بعض موارد الاستثناء عن هذه القاعدة لمصلحة وملاك أهمّ.
__________________
(١) المنافقون (٦٣) : ٨.