الموضوع في نفس الأمر ـ ولو لم يكن موجودا في الخارج ـ صادقة قطعا ؛ لأنّا نحكم بالأحكام الايجابيّة على موضوعات معدومة في الأعيان ، وتحقّق الصفة يستدعي تحقّق الموصوف ، وإذ ليس ثابتا في الأعيان ، فهو متحقّق في الذهن ، فتحقّق الحقيقيّة يدلّ على الثبوت الذهني ، كما قرّرناه.
مضافا إلى أنّا نعقل أمورا لا وجود لها في الخارج ، والتعقّل يستلزم التعلّق بين العاقل والمعقول ، والتعلّق بين العاقل والعدم غير معقول ، فلا بدّ من ثبوت للمعقول ، وإذ ليس في الخارج تعيّن كونه في الذهن ، بل يمكن دعوى الضرورة في تحقّق الوجود الذهني للصّور الذهنيّة.
قال : ( والموجود في الذهن إنّما هو الصورة المخالفة في كثير من اللوازم ).
أقول : هذا جواب عن استدلال من نفى الوجود الذهني.
وتقرير استدلالهم : أنّه لو حلّت الماهيّة في الأذهان لزم أن يكون الذهن حارّا باردا أسود أبيض ، فيلزم مع اتّصاف الذهن بهذه الأشياء المنفيّة عنه اجتماع الضدّين.
والجواب : أنّ الحاصل في الذهن ليس هو ماهيّة ما له الحرارة والسواد ونفسه ، بل صورتهما ومثالهما ، والمخالفة للماهيّة في لوازمها وأحكامها ، بمعنى أنّ الأشياء توجد في الذهن بأشباحها بالوجود الظلّي ، لا بأنفسها بالوجود الأصيل العيني ، والصور الذهنيّة كلّيّة كانت كصور المعقولات ، أو جزئيّة كصور المحسوسات ، مخالفة للخارجيّة في اللوازم الخارجيّة المسمّاة بـ « لوازم الوجود » ؛ وإن كانت مشاركة لها في لوازم الماهيّة من حيث هي هي ، فالحرارة الخارجيّة تستلزم السخونة ، وصورتها لا تستلزمها ، والتضادّ إنّما هو بين الماهيّات لا بين صورها وأمثالها.
وبعبارة أخرى : الماهيّة قد تطلق على ما يقال في جواب « ما هو؟ » وقد تطلق على ما به الشيء هو هو بالفعل ، والموجود في الذهن هو الماهيّة بالمعنى الأوّل الذي يعبّر عنه بـ « الأشباح » أيضا ، وأمّا الماهيّة بالمعنى الثاني فلا توجد إلاّ في