ما لا يتناهى ، كالسواد والبياض والجواهر وغيرها من الحقائق ، فألزمهم المصنّف المحال ، وهو القول بعدم انحصار الموجودات ؛ لأنّ تلك الماهيّات ثابتة ، وهي غير محصورة في عدد متناه ، والثبوت هو الوجود ؛ لانتفاء تعقّل أمر زائد على الكون في الأعيان ، فلزمهم القول بوجود ما لا يتناهى من الماهيّات ، وهو عندهم باطل ، فإن جعلوا الوجود أمرا مغايرا للكون في الأعيان ، كان نزاعا في العبارة وقولا بإثبات ما لا يعقل ، مع أنّ البراهين الدالّة على استحالة ما لا يتناهى كما تدلّ على استحالته في الوجود تدلّ على استحالته في الثبوت ؛ إذ دلالتها إنّما هي على انحصار الكائن في الأعيان.
وقول المصنّف رحمهالله : « وانحصار الموجود » عطف على « إثبات القدرة » أي وكيف تتحقّق الشيئيّة بدون الوجود مع إثبات القدرة وانتفاء الاتّصاف وانحصار الموجود مع عدم تعقّل الزائد هكذا ، ينبغي أن يفهم كلامه هنا.
قال : ( ولو اقتضى التميّز الثبوت عينا ، لزم منه محالات ).
أقول : لمّا أبطل مذهب القائلين بثبوت المعدوم شرع في إبطال حججهم.
ولهم حجّتان رديئتان ذكرهما المصنّف وأبطلهما :
أمّا الحجّة الأولى فتقريرها : أنّ كل معدوم متميّز ، وكلّ متميّز ثابت.
أمّا المقدّمة الأولى : فدلّ عليها أمور ثلاثة :
أحدها : أنّ المعدوم معلوم ، والمعلوم متميّز.
الثاني : أنّ المعدوم مراد ؛ فإنّا نريد اللذّات ونكره الآلام ، فلا بدّ أن يتميّز المراد من المكروه.
الثالث : أنّ المعدوم مقدور ، وكلّ مقدور متميّز ؛ فإنّا نميّز (١) بين الحركة يمنة ويسرة وبين الحركة إلى السماء ، ونحكم بقدرتنا على إحدى الحركتين دون الأخرى ،
__________________
(١) في الأصل و « أ » : « تتميّز ».