الذهن أحد أقسام المطلق الثابت ، فيكون الثابت المطلق صادقا على المعدوم المطلق لا باعتبار التقابل.
وهذا الوجود المطلق والعدم المطلق أمران معقولان معا ، بمعنى أنّ العقل يفرض اتّصاف ذات واحدة بهما ، كما يتحقّق الاتّصاف بهما في الخارج باعتبار الوجود الخارجي والذهني ، لا باعتبار التقابل الموجب لامتناع اجتماع المتقابلين وإن كان قد نازع قوم في أنّ المعدوم المطلق يتصوّر (١).
وأمّا الوجود الخاصّ ـ وهو وجود الملكات المتخصّص باعتبار تخصيصها كالمقيّد بقيد الإنسان وغيره من الماهيّات ـ فإنّه يقابله عدم خاصّ مثله.
قال : ( ويفتقر إلى الموضوع كافتقار ملكته ).
أقول : عدم الملكة ليس عدما مطلقا ، بل له حظّ ما من الوجود من جهة اعتبار المحلّ القابل للوجودي فيه ، ويفتقر إلى الموضوع بذلك ، كالعمى ، فإنّه عدم البصر ، لا مطلقا ، بل عن شيء من شأنه أن يكون بصيرا ، فهو يفتقر إلى الموضوع الخاصّ المستعدّ للملكة ، كما تفتقر الملكة إليه ، ولهذا لمّا امتنع البصر على الحائط ـ لعدم استعداده ـ امتنع صدق العمى عليه.
قال : ( وقد يؤخذ (٢) شخصيّا ونوعيّا وجنسيّا ).
أقول : لمّا فسّر عدم الملكة بأنّه عدم شيء عن موضوع من شأنه أن يكون ذلك الشيء له ، وجب عليه أن يبيّن الموضوع ؛ فقد اختلف الناس في ذلك.
فذهب قوم إلى أنّ ذلك الموضوع موضوع شخصيّ ، فعدم اللحية عن الأمرد عدم ملكة ، وعدمها عن الكوسج كالمرأة ليس عدم الملكة.
__________________
(١) نسبة في « شوارق الإلهام » إلى « الشرح القديم » والحواشي الشريفة حيث قال : « قد يجتمع الوجود المطلق والعدم المطلق ؛ لأنّ العدم المطلق قد يتصوّر فيعرض له الكون المطلق ». انظر : « شوارق الإلهام » المسألة الثانية عشرة من الفصل الأوّل.
(٢) أي الموضوع.