أقول : لمّا بيّن أنّ الأعدام متمايزة ـ بأنّ عدم المعلول يستند إلى عدم العلّة ـ ذكر ما يصلح جوابا لوهم من يعكس القول ، ويجعل عدم المعلول علّة لعدم العلّة ، فأزال هذا الوهم وقال : « إنّ عدم المعلول ليس علّة لعدم العلّة » كما في حركة اليد وحركة المفتاح ، بل الأمر بالعكس على ما يأتي.
ثمّ قيّد النفي بالخارج ؛ لأنّ عدم المعلول قد يكون علّة لعدم العلّة في الذهن كما في برهان الإنّ بأن يكون عدم المعلول أظهر عند العقل من عدم العلّة ، فيستدلّ العقل عليه ، ويكون علّة له باعتبار التعقّل ، لا باعتبار الخارج. ولا يفيد العلّيّة في نفس الأمر ، بل في الذهن ، ولهذا سمّي إنّيّا ؛ لأنّه لا يفيد إلاّ الوجود الذهني.
أمّا الاستدلال بعدم العلّة على عدم المعلول فهو برهان لمّيّ مطابق لنفس الأمر.
بيان ذلك : أنّ الحدّ الأوسط في البرهان لا بدّ أن يكون علّة لحصول التصديق بالحكم الذي هو المطلوب ، وإلاّ لم يكن برهانا على ذلك المطلوب ، فإن كان مع ذلك علّة لثبوت ذلك الحكم في الخارج أيضا ، فالبرهان لمّيّ ، وإلاّ فإنّيّ ، سواء كان الأوسط معلولا لثبوت الحكم في الخارج أم لا.
ووجه التسمية باللمّيّ : أنّ اللمّيّة هي العلّيّة من « لم » سؤالا عن علّة الحكم ، فالبرهان المنسوب إلى العلّة يسمّى لمّيّا. وبالإنّيّ : أنّ الإنّيّة هي الثبوت من « إنّ ، للتحقيق » فالبرهان الحاصل من ثبوت المعلول الدالّ على ثبوت العلّة يسمّى إنّيّا.
وكيف كان فعلّة الثبوت تسمّى سببا مقتضيا ، وعلّة الإثبات برهانا ، فإن كان علّة الإثبات عين علّة الثبوت يسمّى « برهانا لمّيّا » وإن كان أثرها يسمّى « برهانا إنّيّا » لما مرّ.
قال : ( والأشياء المترتّبة في العموم والخصوص وجودا تتعاكس عدما ).
أقول : يعني أنّ كل أمرين بينهما عموم وخصوص مطلق بحسب اعتبار المعنى الوجودي يتعاكس في العموم والخصوص عند اعتبار عدمهما ؛ فإنّ عدم الأخصّ أعمّ من عدم الأعمّ ؛ فإنّ الحيوان يشمل الإنسان وغيره ، فغير الإنسان من أنواع