أقول : الوجود قد يكون خارجيّا أصيلا ، وقد يكون ذهنيّا ظلّيّا ، وكلّ منهما قد يكون أصليّا ، وقد يكون رابطيّا ، بمعنى أنّه قد يكون محمولا بنفسه ، كقولنا : « الإنسان موجود » ، وقد يكون رابطة بين الموضوع والمحمول ، كقولنا : « الإنسان يوجد حيوانا » ، ويسمّى التصديق الأوّل بسيطا ، ويسأل عنه بـ « هل » البسيطة ؛ لبساطة المسئول عنه. ويسمّى التصديق الثاني مركّبا ، ويسأل عنه بـ « هل » المركّبة.
وعلى كلا التقديرين يكون بين المحمول والموضوع نسبة ثبوتية.
ولا بدّ لهذه النسبة ـ أعني نسبة المحمول فيهما إلى الموضوع ـ من كيفيّة من الكيفيّات الثلاث ، التي هي الوجوب والإمكان والامتناع ، باعتبار استحالة الانفكاك أو الثبوت أو عدمهما.
وتلك الكيفيّة تسمّى مادّة وجهة باعتبارين : فإن أخذنا الكيفيّة في نفسها ، سمّيت مادّة. وإن أخذناها عند العقل وما تدلّ عليه العبارات ، سمّيت جهة.
وقد يتّحدان ، كقولنا : « الإنسان يجب أن يكون حيوانا » وقد يتغايران كقولنا : « الإنسان يمكن أن يكون حيوانا » ، فالمادّة ضروريّة ؛ لأنّ كيفيّة نسبة الحيوانيّة إلى الإنسانيّة هي الوجوب. وأمّا الجهة فهي الممكنة.
وهذه الكيفيّات تدلّ على وثاقة الربط وضعفه ؛ فإنّ الوجوب يدلّ على وثاقة الربط في طرف الثبوت ، والامتناع على وثاقته في طرف العدم ، والإمكان على ضعف الربط.
قال : ( وكذا العدم ).
أقول : إذا جعل العدم محمولا أو رابطة كقولنا : « الإنسان معدوم » أو « معدوم عنه الكتابة » حدثت الجهات الثلاث عند التعقّل ، والموادّ في نفس الأمر.
قال : ( والبحث في تعريفها كالوجود ).
أقول : إنّ جماعة من العلماء أخطئوا هاهنا ، حيث عرّفوا الواجب والممكن والممتنع ؛ لأنّ هذه الأشياء معلومة للعقلاء لا تحتاج إلى اكتساب.