نعم ، قد يذكر في تعريف ألفاظها ما يكون شارحا لها لا على أنّه حدّ حقيقيّ بل لفظيّ.
ومع ذلك فتعريفاتهم دوريّة ؛ لأنّهم عرّفوا الواجب بأنّه ما يستحيل عدمه ، أو الذي لا يمكن عدمه. ثمّ عرّفوا المستحيل بأنّه الذي لا يمكن وجوده ، أو الذي يجب عدمه.
ثمّ عرّفوا الممكن بأنّه الذي لا يجب وجوده ولا يجب عدمه ، أو الذي لا يستحيل وجوده ولا عدمه. فقد أخذوا كلّ واحد منها في تعريف الآخر ، وهو دور ظاهر (١).
قال : ( وقد تؤخذ ذاتيّة فتكون القسمة حقيقيّة ، ولا يمكن انقلابها ).
أقول : يعني إذا أخذنا الوجوب والامتناع والإمكان بحسب الذات لا بالنظر إلى الغير ، كانت المعقولات منقسمة إليها قسمة حقيقيّة أي بمنع الجمع والخلوّ ؛ وذلك لأنّ كلّ معقول على الإطلاق إمّا أن يكون واجب الوجود لذاته أو ممتنع الوجود لذاته أو ممكن الوجود لذاته ، لا يخلو عنها ، ولا يجتمع اثنان منها في واحد ؛ لاستحالة أن يكون شيء واحد واجبا لذاته ممتنعا لذاته أو ممكنا لذاته ، أو يكون ممتنعا لذاته وممكنا لذاته ، فقسمة كيفيّة نسبة المحمول إلى الموضوع حينئذ تكون على سبيل المنفصلة الحقيقيّة ذات الأجزاء الثلاثة ، لا يمكن الاجتماع بين الأقسام لا في الصدق ولا في الكذب ، بل يكون الصادق أمرا واحدا منها ؛ لأنّ ذات الموضوع إمّا أن تقتضي تلك النسبة أم لا ، وعلى الثاني إمّا أن تقتضي نقيض تلك النسبة أم لا ، والأوّل هو الوجوب. والثاني هو الامتناع. والثالث هو الإمكان.
واحتمال غيرها خلاف الضرورة العقليّة.
واعلم أنّ القسمة الحقيقيّة قد تكون للكلّيّ بفصول أو لوازم تميّزه وتفصّله إلى الأقسام المندرجة تحته ، وقد تكون بعوارض مفارقة.
والقسمة الأولى لا يمكن انقلابها ، ولا يصير أحد القسمين معروضا لمميّز الآخر
__________________
(١) انظر : « نهاية المرام في علم الكلام » ١ : ٨٧ ـ ٨٨.