المسألة التاسعة عشرة : في أنّ الوجوب والإمكان والامتناع ليست ثابتة في الأعيان.
قال : ( والثلاثة اعتباريّة ؛ لصدقها على المعدوم واستحالة التسلسل ).
أقول : هذه الجهات الثلاث ـ أعني الوجوب والإمكان والامتناع (١) ـ أمور اعتباريّة يعتبرها العقل عند نسبة الوجود إلى الماهيّة وليس لها تحقّق في الأعيان ، لوجوه منها ما هو مشترك ، ومنها ما هو مختصّ بكلّ واحد. أمّا المشترك فأمران :
الأوّل : أنّ هذه الأمور تصدق على المعدوم ، فإنّ الممتنع يصدق عليه أنّه مستحيل الوجود وأنّه واجب العدم ، والممكن قبل وجوده يصدق عليه أنه ممكن الوجود وهو معدوم ، وإذا اتّصف المعدوم بها ، كانت عدميّة ؛ لاستحالة اتّصاف العدمي بالثبوت.
الثاني : أنّه لو كان هذه الأمور متحقّقة في الأعيان ، فاتّصاف ماهيّتها بوجوداتها لا يخلو عن أحد هذه الأمور الثلاثة ، فلو كانت هذه الأمور ثبوتيّة ، لزم اتّصافها بأحد الثلاثة ويتسلسل ، وهو محال.
قال : ( ولو كان الوجوب ثبوتيّا لزم إمكان الواجب ).
أقول : شرع في الدلالة على كلّ واحد من الثلاثة ، فبدأ بالوجوب الذي هو أقربها إلى الوجود ؛ إذ هو تأكّده ، فبيّن أنّه ليس ثبوتيّا.
والدليل عليه أنّه لو كان موجودا في الأعيان لكان ممكنا ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.
بيان الشرطية : أنّه صفة للغير ، والصفة مفتقرة إلى الموصوف ، فالوجوب مفتقر إلى ذات الواجب ، فيكون الوجوب ممكنا.
__________________
(١) لمزيد الاطّلاع عن هذه المسألة راجع « الشفاء » الإلهيّات ، الفصل الخامس من المقالة الأولى ؛ « التحصيل » : ٢٩١ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٢٠٦ ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » ١ : ٨٧ وما بعدها ؛ « شرح المواقف » ٣ : ١٠٩ ؛ « الأسفار الأربعة » ١ : ٨٣ ؛ « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة العشرون.