وأمّا بطلان التالي ؛ فلأنّه لو كان الوجوب ممكنا لكان الواجب ممكنا ؛ لأنّ الواجب إنّما هو واجب بهذا الوجوب الممكن الذي يمكن زواله ، فيخرج الواجب عن كونه واجبا ، فيكون ممكنا ، هذا محال.
ولا يخفى أنّ ما ذكره يتمّ في الوجوب الانتزاعي الاعتباري ، وأمّا الوجوب الواقعي ، الذي هو عين ذات الواجب الوجود بالذات عندنا ، ومقتضى الذات عند غيرنا ، فلا ، كما لا يخفى.
قال : ( ولو كان الامتناع ثبوتيّا لزم إمكان الممتنع ).
أقول : هذا حكم ضروريّ ، وهو أنّ الامتناع أمر عدميّ ، وقد نبّه هاهنا عليه على طريق التنبيه لا الاستدلال ، بأنّ الامتناع لو كان ثبوتيّا لزم إمكان الممتنع ؛ لأنّ ثبوت الامتناع يستدعي ثبوت موصوفه أعني الممتنع ، فيكون الممتنع ثابتا ، هذا خلف.
قال : ( ولو كان الإمكان ثبوتيّا لزم سبق وجود كلّ ممكن على إمكانه ).
أقول : اختلف الناس في أنّ الإمكان الخاصّ هل هو ثبوتيّ أم لا؟
وتحرير القول فيه : أنّ الإمكان قد يؤخذ بالنسبة إلى الماهيّة ، وهو الإمكان الراجع إلى الماهيّة ، وقد يؤخذ بالنسبة إلى الوجود من حيث القرب والبعد من طرف العدم ، وهو الإمكان الاستعدادي.
أمّا الأوّل فالمحقّقون كافّة على أنّه أمر اعتباريّ لا تحقّق له عينا.
وأمّا الثاني فالأوائل قالوا : إنّه من باب الكيف ، وهو قابل للشدّة والضعف. والحقّ يأباه. والدليل على عدمه في الخارج أنّه لو كان ثابتا ـ مع أنّه إضافة بين أمرين أو ذو إضافة ـ لزم ثبوت مضافيه اللذين هما الماهيّة والوجود ، فيلزم تأخّره عن الوجود في الرتبة. هذا خلف ؛ لأنّ وجود الممكن متأخّر عن إمكانه بمراتب ؛ لأنّه يقال أمكن فاحتاج إلى المؤثّر فأوجده فوجد (١).
__________________
(١) راجع « المباحث المشرقية » ١ : ٢١٤ ـ ٢١٨ ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » ١ : ١١٢ وما بعدها.