قال : ( والفرق بين نفي الإمكان والإمكان المنفيّ لا يستلزم ثبوته ).
أقول : هذا جواب عن استدلال أبي عليّ بن سينا على ثبوت الإمكان ؛ فإنّه قال ـ على ما قيل ـ : لو كان الإمكان عدميّا لما بقي فرق بين الإمكان ونفيه ؛ لعدم التمايز في العدميّات (١).
والجواب : المنع من الملازمة ؛ فإنّ الفرق وقع بين نفي الإمكان وثبوت الإمكان الذي حكمنا بأنّه ليس ثبوتيّا في الأعيان ، ولا يستدعي الفرق الثبوت العيني ، كما في الامتناع.
نعم ، يستدعي الثبوت الذهني الانتزاعي ، وهو غير منفيّ ، فالمنفيّ هو الثبوت العيني ، والمثبت بالدليل هو الثبوت الذهني ، فلا يتمّ التقريب.
ولا يخفى أنّه من الشيخ الرئيس عجيب ، ولكنّ الجواد قد يكبو ، والصارم قد ينبو من غير امتناع.
والحاصل : أنّ الإمكان العقلي على أقسام :
منها الإمكان الذاتي بمعنى عدم ترتّب الاستحالة على الوجود.
ومنها الإمكان الاستعدادي ، وهو صلاحيّة الوجود.
ومنها الإمكان الوقوعي بمعنى عدم ترتّب القبح على الإيجاد. والكلّ اعتباريّ.
المسألة العشرون : في الوجوب والإمكان والامتناع المطلقة.
قال : ( والوجوب شامل للذاتي وغيره وكذا الامتناع ).
أقول : الوجوب قد يكون ذاتيّا ، وهو المستند إلى نفس الماهيّة من غير التفات إلى غيرها ، وقد يكون بالغير ، وهو الذي يحصل باعتبار حصول الغير والنظر إليه ؛ فإنّ المعلول لو لا النظر إلى علّته لم يكن واجبا ، فالوجوب المطلق قد انقسم إلى
__________________
(١) ما نقله هنا هو نصّ كلام الفخر الرازي في توجيه كلام ابن سينا ، راجع « شرحي الإشارات » ١ : ٢٢٦ ؛ « المحاكمات » المطبوعة في هامش « شرح الإشارات » ٢ : ١٠٧ ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » ١ : ١١٢.