الممكن ؛ فإنّ الماهيّة إذا أخذت موجودة كانت واجبة ما دامت موجودة ، وكذا إذا أخذت معدومة تكون ممتنعة ما دامت معدومة ، وإذا أخذت باعتبار وجود علّتها كانت واجبة ما دامت العلّة موجودة ، وإذا أخذت باعتبار عدم علّتها كانت ممتنعة ما دامت العلّة معدومة.
قال : ( وعند اعتبار هما بالنظر إليهما يثبت ما بالغير ).
أقول : إذا اعتبرنا الوجود والعدم بالنظر إلى الماهيّة أو إلى علّتها ، ثبت الوجوب بالغير والامتناع بالغير ؛ فإنّه إذا أخذت الماهيّة مع الوجود تكون نسبتها إليه بالوجوب لا بالإمكان ، ويسمّى ذلك وجوبا لاحقا ، وإذا أخذت مع العدم تكون نسبتها إلى الوجود بالامتناع اللاحق ، وكلاهما يسمّى ضرورة بشرط المحمول ، وإذا أخذت الماهيّة مع وجود علّتها كانت واجبة ما دامت العلّة موجودة ، ويسمّى ذلك وجوبا سابقا ، وإذا أخذت مع عدم علّتها كانت ممتنعة ما دامت العلّة غير موجودة ، ويسمّى ذلك امتناعا سابقا ، فكلّ موجود محفوف بوجوبين : سابق ولاحق ، وكلاهما وجوب بالغير ، وكلّ معدوم محفوف بامتناعين : سابق ولاحق ، وكلاهما امتناع بالغير.
قال : ( ولا منافاة بين الإمكان والغيري ).
أقول : قد بيّنّا أنّ الممكن باعتبار وجوده أو وجود علّته يكون واجبا ، وباعتبار عدمه أو عدم علّته يكون ممتنعا ، لكنّ الوجوب والامتناع ليسا ذاتيّين بل باعتبار الغير ومعروضهما الممكن ، فلا منافاة بينهما وبين الإمكان.
قال : ( وكلّ ممكن العروض ذاتيّ ، ولا عكس ).
أقول : الممكن قد يكون ممكن الثبوت في نفسه ، وقد يكون ممكن الثبوت لشيء آخر ، وكلّ ممكن الثبوت لشيء آخر ـ أعني ممكن العروض ـ فهو ممكن ذاتيّ ، أي يكون في نفسه ممكن الثبوت ؛ لأنّ إمكان ثبوت الشيء لغيره فرع على إمكانه في نفسه ، ولا ينعكس. فقد يكون الشيء ممكن الثبوت في نفسه ، وممتنع الثبوت لغيره كالمفارقات ، فإنّها لا يمكن حلولها في غيرها حلول الأعراض في