انقلاب الماهيّة بالوجوب الغيري.
قال : ( والإمكان لازم ، وإلاّ تجب الماهيّة أو تمتنع ).
أقول : الإمكان للممكن واجب ؛ لأنّه لو لا ذلك لأمكن زواله ، وحينئذ تبقى الماهيّة واجبة أو ممتنعة ، فيلزم انقلاب الماهيّة بالانقلاب الكلّي ، وقد بيّنّا امتناعه فيما سلف.
قال : ( ووجوب الفعليّات يقارنه جواز العدم ، وليس بلازم ).
أقول : يريد أن يبيّن أنّ الوجوب اللاحق ـ وهو الذي ذكر أنّه لا تخلو عنه قضيّة فعليّة ، ولهذا سمّاه بوجوب الفعليّات ـ يقارن جواز العدم ؛ وذلك لأنّ الوجوب لا يخرجه عن الإمكان الذاتي ، بل هو باق على طبيعة الإمكان الذاتي ؛ لأنّ وجوبه بشرط المحمول لا مطلقا ، فلهذا حكم بجواز مقارنة وجوب الوجود لجواز العدم ، وهذا الوجوب ليس بلازم ، بل ينفكّ عن الماهيّة عند فرض عدم العلّة.
قال : ( ونسبة الوجوب إلى الإمكان نسبة تمام إلى نقص ).
أقول : الوجوب هو تأكّد الوجود وقوّته ، والإمكان ضعف فيه ، فنسبة الوجوب إلى الإمكان نسبة تمام إلى نقص ؛ لأنّ الوجوب تمام الوجود ، والإمكان نقص له.
المسألة السادسة والعشرون : في الإمكان الاستعدادي.
قال : ( والاستعداد قابل للشدّة والضعف ويعدم ويوجد للمركّبات ، وهو غير الإمكان الذاتي ).
أقول : الإمكان إمّا أن يلحظ باعتبار الماهيّة نفسها ، وهو الإمكان الذاتي ، وإمّا أن يلحظ باعتبار قربها من الوجود وبعدها عنه ، وهو الإمكان الاستعدادي ، الذي هو عبارة عن التهيّؤ للكمال بتحقّق بعض الأسباب والشرائط وارتفاع بعض الموانع ، وهذا الإمكان قابل للشدّة والضعف والزيادة والنقصان ، فإنّ استعداد النطفة للإنسانيّة أضعف وأبعد من استعداد العلقة لها ، وكذا استعداد النطفة للكتابة أبعد وأضعف من استعداد الطفل لها ، فهذا هو الاستعداد لكلّ ماهيّة سبق عدمها وجودها.