المسألة الحادية والثلاثون : في خواصّ الواجب ولوازمه التي يستلزم انتفاء كلّ منها الإمكان وعدم الوجوب الذاتي.
قال : ( ويستحيل صدق الذاتي على المركّب ).
أقول : هذه خاصّيّة للواجب الذاتي ، وهي أنّه يستحيل أن يكون مركّبا ، فلا يجوز صدق الواجب الذاتي على المركّب ؛ لأنّ كلّ مركّب مفتقر إلى أجزائه على ما يأتي ، وكلّ مفتقر ممكن ، فالواجب لذاته ممكن لذاته. هذا خلف.
قال بعض المتأخّرين : هذه المسألة تتوقّف على الوحدانيّة ؛ فإنّه لو قال قائل :
يجوز أن يكون كلّ واحد من أجزاء المركّب واجبا لذاته ويكون المجموع مستغنيا عن الغير ، أجبنا بأنّ الواجب لذاته يستحيل أن يكون متعدّدا (١).
والحقّ أنّه لا افتقار في هذه المسألة إلى الوحدانيّة ؛ لأنّ هذا المركّب يستحيل أن يكون واجبا لذاته ؛ لافتقاره إلى أجزائه الواجبة ، وكلّ مفتقر ممكن ، فيكون المركّب ممكنا ، فلا يكون واجبا ، وهذا لا يتوقّف على الوحدانيّة.
وقد يقال : إنّ الممكن ما يحتاج في وجوده الخارجي إلى غيره ، فلو فرض تركّب الواجب من أجزاء عقليّة ، لم يلزم احتياجه إلاّ في التحقّق الذهني إلى جزئه الذهني ، وهو لا يستلزم إمكانه.
وأيضا يجوز أن يكون له جنس منحصر في نوعه بحسب الخارج وإن كان له أنواع كثيرة بحسب العقل ، أو يكون مركّبا من أمرين متساويين (٢).
وفيه نظر ؛ لأنّ تعدّد الجزء إمّا واجب بالذات أو ممكن بالذات أو ممتنع بالذات.
لا سبيل إلى الأوّل (٣) ، وإلاّ يلزم عدم الجزء رأسا وانتفاء الكلّ وعدم كون الواجب
__________________
(١) نسبه في « شرحي الإشارات » ١ : ٢٠٩ إلى الفخر الرازي ، ولكن اللاهيجي نقله عن الفارابي كما في « شوارق الإلهام » المسألة السابعة والعشرون من الفصل الأوّل.
(٢) القائل هو الفاضل القوشجي. انظر : « شرح تجريد العقائد » : ٤٧ ـ ٤٨.
(٣) أي عند ما يكون تعدّد الجزء واجبا بالذات.