ليس لها في الخارج ما يطابقها ، ثمّ يتصوّر صورة أخرى ] (١) ويحكم عليها بأنّ لها في الخارج ما يطابقها ، ثمّ يحكم على إحداهما بمقابلة الأخرى لا من حيث إنّهما حاضرتان في العقل ، بل من حيث إنّ إحداهما استندت إلى الخارج دون الأخرى.
وقد يتصوّر الذهن صورة ما ويتصوّر سلبها ؛ لأنّها مميّزة على ما تقدّم ، ويحكم على الصورتين بالتناقض لا باعتبار حضورهما في الذهن ، بل بالاعتبار الذي ذكرناه.
قال : ( وأن يتصوّر عدم جميع الأشياء حتّى عدم نفسه وعدم العدم بأن يتمثّل في الذهن ويرفعه وهو ثابت باعتبار (٢) ، قسيم باعتبار ، ويصحّ الحكم عليه من حيث هو ثابت ولا تناقض ).
أقول : الذهن يمكنه أن يتصوّر جميع المعقولات وجوديّة كانت أو عدميّة ، ويمكنه أن يلحظ عدم جميع الأشياء ؛ لأنّه يتصوّر العدم المطلق ، ويمكنه أن يقيسه إلى جميع الماهيّات ، فيمكنه أن يلحظه باعتبار نفسه ، فيتصوّر الذهن عدم نفسه ، وكذلك يمكنه أن يلحظ نفس العدم ، بمعنى أنّ الذهن يمثّل للعدم صورة ما معقولة متميّزة عن صورة الوجود ويتصوّر رفعها ويكون ثابتا باعتبار تصوّره ؛ لأنّ رفع الثبوت ـ الشامل للثبوت الخارجي والذهني ـ تصوّر لما ليس بثابت ولا متصوّر أصلا ، وهو ثابت باعتبار تصوّره ، وقسيم لمطلق الثابت باعتبار أنّه سلبه ، ولا استبعاد في ذلك ؛ فإنّا نقول : الموجود إمّا ثابت في الذهن أو غير ثابت في الذهن ، فبالاعتبار الأخير قسيم للوجود ، ومن حيث إنّه له مفهوم قسم من الثابت.
والحكم على رفع الثبوت المطلق من حيث إنّه متصوّر لا من حيث إنّه ليس بثابت ، ولا يكون متناقضا ؛ لاختلاف الموضوعين ؛ فإنّ موضوع قولنا : « المعدوم المطلق يمتنع الحكم عليه » هو مفهوم « المعدوم المطلق » المتصوّر باعتبار أنّه ثابت
__________________
(١) الزيادة أضفناها من « كشف المراد » : ٦٧ لتستقيم العبارة ويتّضح المعنى.
(٢) أي : باعتبار فرض العقل وتصوّره. ( منه رحمهالله ).