في الذهن ، وما له امتناع الحكم هو مصداق ذلك المفهوم ، فترتفع الشبهة المشهورة باشتمال ما ذكر على التناقض حيث حكم على المعدوم المطلق بامتناع الحكم المطلق ، فاتّصف بالامتناع والصحّة.
وفي بعض النسخ « ولا يصحّ الحكم عليه من حيث هو ليس بثابت ، وإلاّ تناقض » يعني أنّ المعدوم متّصف بامتناع الحكم عليه وليس ذلك من حيث إنّه ليس بثابت ، بل من حيث هو ثابت ، وإلاّ لزم التناقض ؛ لاتّحاد الجهة ، فمؤدّى العبارتين واحد.
قال : ( ولهذا يقسّم الموجود إلى ثابت في الذهن وغير ثابت فيه ، ويحكم بينهما بالتمايز ، وهو لا يستدعي الهويّة لكلّ من المتمايزين ، ولو فرض له هويّة ، لكان حكمها حكم الثابت ).
أقول : هذا استدلال على أنّ للذهن أن يتصوّر عدم جميع الأشياء.
وبيانه : أنّا نقسّم الموجود إلى ثابت في الذهن وغير ثابت فيه ، ونحكم بامتياز أحدهما عن الآخر ومقابلته له ، والحكم على الشيء يستدعي تصوّره وثبوته في الذهن ، فيجب أن يكون ما ليس بثابت في الذهن ثابتا فيه ، فقد تصوّر الذهن سلب ما وجد فيه ، ولا محذور فيه ؛ فإنّ ما ليس بثابت في الذهن ثابت فيه من حيث إنّه متصوّر ، وغير ثابت فيه من حيث إنّه سلب لما في الذهن.
لايقال : امتياز أحد الشيئين عن الآخر يستدعي أن يكون لكلّ من المتمايزين هويّة مغايرة لهويّة الآخر حتّى يحكم بينهما بالامتياز ، فلو كان العدم ممتازا عن الوجود ، لكان له هويّة متميّزة عنه ، لكن ذلك محال ، لأنّ العقل يمكنه رفع كلّ هويّة فيكون رفع هويّة قسيما للعدم وقسما منه ، وهذا محال.
لأنّا نقول : لا نسلّم وجوب الهويّة لكلّ من المتمايزين ، وإنّا نحكم بامتياز الهويّة عن اللاّهويّة ، وليس للاّهويّة هويّة.
سلّمنا ثبوت الهويّة لكلّ [ من المتمايزين ] (١) ، لكن هويّة العدم داخلة باعتبار
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة : « متمايزين ». والظاهر ما أثبتناه.