الطوسي والعلم والعلماء
إنّ الذي كان يشغل بال المحقّق الطوسي إبّان عصر المغول هو أنّه كيف ينقذ العلماء من محنتهم ، وكيف يحفظ التراث الضخم من أيدي المغول. فلم يكن بمقدور الطوسي وغيره مواجهة الطغاة بقوّة السلاح ، بل لا بدّ من وضع خطّة ذكيّة لاستيعاب الموقف وكسر شوكة المغول أو تحييدهم أو أسلمتهم.
فبعد أن اطمأنّ هولاكو للمحقّق الطوسي وكبر في عينه حاول الطوسي إقناعه بإقامة مرصد فلكي في مراغة قائلا له : « إنّ القائد المنتصر يجب أن لا يقنع بالتخريب فقط » فأدرك المغولي المغزى ، وخوّله بناء مرصد عظيم على تلّ شمالي « مراغة » وتمّ هذا العمل في ١٢ سنة ... وقد أظهر خطأ أربعين دقيقة في موضع الشمس في أوّل السنة على حساب الأزياج السابقة ، وجمع مكتبة عظيمة ضمّ إليها ما نهب من الكتب في بغداد.
وهكذا تسنّى للمحقّق نصير الدين أن يؤسّس أكبر جامعة علمية في مراغة ، استقطب فيها العلماء والحكماء ، الذين توافدوا على مراغة من كلّ أصقاع العالم. يقول محمّد مدرّسي زنجاني في كتابه « سرگذشت وعقائد فلسفى خواجه نصير الدين طوسى » :
« فضلا عن مقام الطوسي العلمي استطاع بتأثيره على مزاج هولاكو أن يستحوذ تدريجيّا على عقله ، وأن يروّض شارب الدماء فيوجّهه إلى إصلاح الأمور الاجتماعية والثقافية والفنّية ، فأدّى الأمر إلى أن يوفد هولاكو فخر الدين لقمان بن عبد الله المراغي إلى البلاد العربية وغيرها ، ليحثّ العلماء الذين فرّوا بأنفسهم من الحملة المغولية فلجئوا إلى أربل والموصل والجزيرة والشام ، ويشوّقهم إلى العودة ، وأن يدعو علماء تلك البلاد ـ أيضا ـ إلى الإقامة في مراغة » (١).
وكان فخر الدين حسن التدبير كيّسا ، فاستطاع أن يؤدّي مهمّته على أحسن وجه.
وقد استجاب للطوسي علماء البلاد العربية وغيرها ، فرحلوا إلى مراغة ، واجتمع هناك علماء من دمشق والموصل وقزوين وتفليس وغيرها.
__________________
(١) انظر : « أعيان الشيعة » ٩ : ٤١٧.