وسألته عن معنى قولهم : إنّ الصادق في الأحكام الذهنيّة هو باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر ، والمعقول من نفس الأمر إمّا الثبوت الذهني أو الخارجي ، وقد منع كلّ منهما هاهنا.
فقال رحمهالله : المراد بنفس الأمر هو العقل الفعّال ، فكلّ صورة أو حكم ثابت في الذهن مطابق للصور المنتقشة في العقل الفعّال ، فهو صادق ، وإلاّ فهو كاذب.
فأوردت عليه أنّ الحكماء يلزمهم القول بانتقاش الصور الكاذبة في العقل الفعّال ؛ لأنّهم قالوا بالفرق بين السهو والنسيان ، فإنّ السهو هو زوال الصورة المعقولة عن الجوهر العاقل وارتسامها في الحافظ لها ، والنسيان هو زوالها عنهما معا ، وهذا يتأتّى في الصورة المحسوسة ، أمّا المعقولة فإنّ سبب النسيان هو زوال الاستعداد بزوال المفيد للعلم في باب التصوّرات والتصديقات ، وهاتان الحالتان قد تعرضان في الأحكام الكاذبة. فلم يأت فيه بمقنع.
وهذا البحث ليس من هذا المقام وإنّما انجرّ إليه الكلام ، وهو بحث شريف لا يوجد في الكتب » (١).
أقول : الأولى أن يقال : إنّ « الأمر » عبارة عن المحكوم عليه ، فمعنى قولنا : « ذلك في نفس الأمر كذا » أنّه باعتبار نفسه وذاته مع قطع النظر عن اعتبار المعتبر كذا ، أو عبارة عن علّته بناء على أنّ كلّ معلول له وجود إجماليّ في مقام اعتبار علّته ، فالمراد أنّ كلّ حكم طابقت فيه النسبة الحكميّة النسبة الخارجيّة كان صحيحا ، وغيره باطل.
المسألة الثالثة والثلاثون : في كيفيّة حمل الوجود والعدم على الماهيّات.
قال : ( ثمّ الوجود والعدم قد يحملان وقد تربط بهما المحمولات ).
أقول : الوجود والعدم ـ كما مرّ ـ على قسمين : وجود أصليّ ووجود رابطيّ ،
__________________
(١) « كشف المراد » : ٧٠ ، وصحّحنا النقل على المصدر.