فإنّهما قد يحملان على الماهيّات ، كما تقول : « الإنسان موجود » و « الإنسان معدوم » وقد يجعلان رابطة ، كقولنا : « الإنسان يوجد كاتبا » و « الإنسان تعدم عنه الكتابة » فجعلنا المحمول هو الكتابة. والوجود والعدم رابطتان ، إحداهما : رابطة الثبوت والوصل ، والأخرى : رابطة السلب والفصل.
قال : ( والحمل (١) يستدعي اتّحاد الطرفين من وجه وتغايرهما من آخر ، وجهة الاتّحاد قد تكون أحدهما وقد تكون ثالثا ).
أقول : لمّا ذكر أنّ الوجود والعدم قد يحملان وقد يكونان رابطة بين الموضوع والمحمول ، شرع في تحقيق معنى الحمل.
وتقريره : أنّا إذا حملنا وصفا على موصوف ، فلسنا نعني به أنّ ذات الموضوع هي ذات المحمول نفسها ، وإلاّ يلزم تحقّق حمل ووضع في الألفاظ المترادفة ، وهو باطل ؛ لأنّ قولنا : « الإنسان حيوان » حمل صادق ، وليس الإنسان والحيوان مترادفين ، ولا نعني به أنّ ذات الموضوع مباينة لذات المحمول ؛ فإنّ الشيئين
__________________
(١) قوله : « والحمل ... » إلى آخره. اعلم أنّ الحمل على أقسام :
منها : حمل الشيء على نفسه ، وهو ما إذا اتّحد الموضوع والمحمول لفظا ومفهوما ومصداقا وأحوالا ، كما إذا قيل : الإنسان إنسان.
ومنها : الحمل الحقيقي ، وهو ما إذا تغايرا لفظا واتّحدا مفهوما ، وكان المحمول ذاتي للموضوع ، بل تمام حقيقته ، كما إذا قيل : الإنسان حيوان ناطق ، وهو قسم من حمل هو هو وحمل ذاتي.
ومنها : الحمل المتعارفي ، وهو ما إذا تغايرا لفظا ومفهوما واتّحدا مصداقا ، بحمل الكلّي على الجزئي ، كما يقال : زيد إنسان. وهو أيضا قسم من حمل هو هو.
ومنها : الحمل الاشتقاقي ، وهو ما إذا تغايرا لفظا ومفهوما ومصداقا ، ولكن كان مدلول المحمول حالا من أحوال حدّيته لمدلول الموضوع ك « زيد عدل » بمعنى عادل.
ومنها : حمل تصوّر ك « زيد كيف » أي ذو كيف.
ومنها : حمل المباين على المباين ؛ للتشبيه والحكم ، كقوله صلىاللهعليهوآله : « الطواف بالبيت صلاة ».
ومنها : حمل المباين للمبالغة ك « زيد حمار ».
ومنها : حمل المباين لا كما ذكر.
وما عدا الأوّل والأخير مقبول ... ( منه رحمهالله ).