عدم الاعتبار واعتبار العدم فرق ظاهر ؛ فلا يلزم اجتماع النقيضين.
قال : ( وإثبات الوجود للماهيّة لا يستدعي وجودها قبل وجودها ).
أقول : إنّ الحكماء أطبقوا على أنّ الموصوف بالصفة الثبوتيّة يجب أن يكون ثابتا. (١)
وقد أورد على هذا : أنّ الوجود ثابت للماهيّة ، فيجب أن تكون الماهيّة ثابتة أوّلا حتّى يتحقّق لها ثبوت آخر ويتسلسل ، مضافا إلى أنّه يلزم أن تكون الماهيّة موجودة بوجودين أو بوجود واحد مرّتين ، وذلك محال بالضرورة.
والجواب : ما تقدّم فيما حقّقناه أوّلا من أنّ الوجود ليس عروضه للماهيّات عروض السواد للمحلّ ، بل زيادته إنّما هي في التصوّر والتعقّل لا في الوجود الخارجي ، بمعنى أنّ الوجود ثابت للماهيّة من حيث هي ، لا للماهيّة المعدومة و [ لا ] للماهيّة الموجودة.
مضافا إلى كون الماهيّة ثابتة بالوجود الثابت بنفسه ، المحمول عليها ، كما في المنوّر بالنور ، كما مرّ.
قال : ( وسلبه عنها لا يقتضي تميّزها وثبوتها بل نفيها لا إثبات نفيها. وثبوتها في الذهن وإن كان لازما لكنّه ليس شرطا ).
أقول : هذا جواب شكّ يورد على سلب الوجود عن الماهيّة.
وتقريره : أنّ سلب الوجود عن الماهيّة لا يقتضي أن تكون الماهيّة متميّزة عن غيرها وثابتة في نفسها وفي الخارج ، بل يكفي ثبوتها وتميّزها في الذهن ، فسلبه عنها لا يقتضي إلاّ نفيها في الخارج ، لا إثبات نفيها بأن يكون هناك أمر متحقّق هو الماهيّة وقد ثبت لها الانتفاء.
وثبوتها في الذهن ليس شرطا لسلب الوجود بأن يسلب الوجود عن الماهيّة
__________________
(١) لقاعدة أنّ ثبوت الشيء للشيء فرع لثبوت المثبت له. ( منه رحمهالله ).