وذهب آخرون منهم إلى أنّه يمكن أن يعاد (١).
والحقّ : الأوّل من غير منافاة للقول بالمعاد الجسماني ؛ لبقاء موادّ الأجسام وإن تفرّق أجزاؤها واضمحلّ صورها ، ففيه إعطاء الصور للموادّ وعود الأرواح إلى الأجساد من غير أنّ المعدوم الصرف يعاد.
والظاهر أنّ ذلك ضروريّ ، ولهذا قال الإمام الرازي ـ على ما حكي عنه ـ : « إنّ كلّ من رجع إلى فطرته السليمة ورفض عن نفسه الميل والعصبيّة ، شهد عقله الصريح بأنّ إعادة المعدوم ممتنعة » (٢).
ومثّل له بنقش حرف في لوح ومحوه ونقش ذلك الحرف بعينه في ذلك الموضع بعد ذلك ؛ فإنّ المنقوش ثانيا مثل الأوّل لا عينه (٣).
واستدلّ المصنّف عليه بوجوه (٤) :
[ الوجه ] الأوّل : أنّ المعدوم لا تبقى له هويّة ولا يتميّز عن غيره ، فلا يصحّ أن يحكم عليه بحكم ما من الأحكام ، فلا يمكن الحكم عليه بصحّة العود.
وهذا مستلزم لامتناع الحكم عليه بامتناع العود ؛ فإنّه أيضا حكم ما. والإرجاع إلى الحكم السلبي الذي يصحّ على المعدوم مشترك.
والتحقيق هنا أنّ الحكم يستدعي الحضور الذهني لا الوجود الخارجي ، ولهذا يحكم على شريك البارئ بأنّه ممتنع.
قال : ( ولو أعيد تخلّل العدم بين الشيء ونفسه ).
__________________
(١) « تلخيص المحصّل » : ٣٩٠ ؛ « شرح المقاصد » ٥ : ٨٢.
(٢) هذا الكلام ليس للفخر الرازي ، بل الرازي نقله عنه الشيخ نقلا بالمعنى ، والمحقّق اللاهيجي نقل نقل الرازي في المباحث عن الشيخ. راجع آخر الفصل الخامس من المقالة الأولى من « إلهيّات الشفاء » : ٤١ ؛ و « المباحث المشرقية » ١ : ١٣٨ ؛ و « شوارق الإلهام » ، المسألة الثالثة والثلاثين من الفصل الأوّل.
(٣) « شوارق الإلهام » : ١١٨.
(٤) لمزيد الاطّلاع عن هذه الأدلّة راجع « مناهج اليقين » : ٣٣٣ وما بعدها ؛ « كشف المراد » : ٧٣ ـ ٧٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٢٩٢.