الطوسي في الميزان
غالبا ما يصنّف العلماء تبعا لاختصاصاتهم ، فيقال : هذا عالم فقه وهذا عالم كيمياء وهذا عالم أخلاق ، إلاّ أنّ المحقّق نصير الدين الطوسي قد تعدّدت مشاربه وأخذ من كلّ علوم عصره ، فهو وإن كان مشهورا في مجال الحكمة والكلام ، إلاّ أنّ له باعا طويلة في مختلف الاختصاصات ، فهو الرياضي والفلكي والفقيه والعالم الأخلاقي ، فقد مدحه أحد مساعديه في مرصد مراغة ، وهو العالم الدمشقي مؤيّد الدين العرضي بقوله :
« وكذلك (١) كلّه بإشارة مولانا المعظّم والإمام الأعظم ، العالم الفاضل المحقّق الكامل ، قدوة العلماء وسيّد الحكماء ، أفضل علماء الإسلاميّين بل المتقدّمين ، وهو من جمع الله سبحانه فيه ما تفرّق في كافّة أهل زماننا من الفضائل والمناقب الحميدة ، وحسن السيرة ، وغزارة الحلم ، وجزالة الرأي ، وجودة البديهة ، والإحاطة بسائر العلوم ، فجمع العلماء إليه وضمّ شملهم بوافر عطائه ، وكان بهم أرأف من الوالد على ولده ، فكنّا في ظلّه آمنين وبرؤيته فرحين كما قيل :
نميل على جوانبه كأنّا |
|
نميل إذا نميل على أبينا |
ونغضبه لنخبر حالتيه |
|
فنلقى منهما كرما ولينا |
وهو المولى نصير الملّة والدين محمّد بن محمّد الطوسي أدام الله أيّامه » (٢).
ونقل عنه ما يدلّ على كمال عقله وسعة حلمه ، وهو أنّه أرسلت إليه ورقة من شخص ضمّنها كلاما بذيئا قال فيه للطوسي : « يا كلب يا ابن الكلب » فكان جواب الطوسي له : وأمّا قوله : كلبا ، فليس بصحيح ؛ لأنّ الكلب من ذوات الأربع ، وهو نابح طويل الأظفار ، وأمّا أنا فمنتصب القامة ، بادي البشرة ، عريض الأظفار ، وناطق ضاحك. فهذه الفصول والخواصّ غير تلك الفصول والخواصّ. وأطال في نقض ما ذكره كاتب الرسالة ، ولم تصدر منه كلمة بذيئة قطّ.
وذكر عنه تلميذه العلاّمة الحلّي في إجازته لبني زهرة أنّه « ... كان أشرف من شاهدناه
__________________
(١) كذا في « أعيان الشيعة » ولعلّ الصحيح : « وكان ذلك كلّه … ».
(٢) « رسالة شرح آلات مرصد مراغة وأدواته » نقلا عن « أعيان الشيعة » ٩ : ٤١٧.